الكاريكاتير.. فن تخصيب الذاكرة
الكاريكاتير.. فن تخصيب الذاكرة
ما يبعث على التفاؤل… قدرة الإنسان في بحثه عن ذاته وسط كثير من التشعبات الفكرية والرمزية. فالإنسان ذكرى وذاكرة، تمر به عبر سني عمره مواقف وآراء متعددة، فليس المكان بعيداً عنه بقدر ما يبعد الزمان في هذه الرحلة القصيرة والفنية. حيث نجد في الفنون عامة، والكاريكاتير خاصة، هذه الرؤية في بعديها الداخلي والخارجي، إما ليقنع نفسه أو ليتحدث إلى الآخرين بلغة بصرية وجدانية وفكرية ذات طراوة، وذات قسوة أحياناً، وذلك حسب الموقف الواجب علينا أن نعيه. والفن، أو الرسم الكاريكاتيري، ليس هروباً إلى الأمام، بقدر ما هو الطريقة للوصول سريعاً، حتى لا يغدو المشهد باهتاً أو ضعيفاً.
أعرض هنا في هذه الوقفة المتأنية، حول فن الكاريكاتير، بعض الآراء والطروحات، علّها توضّح أكثر هذه اللغة الصامتة، والصاخبة في الوقت نفسه.
الكاريكاتير…عمل سياسي
إن فن الكاريكاتير عمل سياسي، لارتباطه بالإعلام أولاً، وهو يعالج أهم الأحداث والتطورات على الساحة العربية والدولية. وهو مفهوم عام يتبناه الرسام أو الصحيفة، التي تسعى إلى بلورة رؤية عميقة حول أحداث العالم، فهو يلخص الأحداث ويقيّمها.
والفنان أو الرسام أو الإعلام، الذي يختص بهذا، إنما يقدم لنا الرأي الآخر حول المستجدات. إذا،ً فن الكاريكاتير هو عمل إعلامي سياسي، وفعل فكري، يؤدي إلى إيضاح موقف ورأي حول الحدث ومتطلباته، بهدف الارتقاء بالشارع إلى لغة أكثر صرامة، وتخصيب الرؤية، عبر إذكاء روح الحياة فيها.
الكاريكاتير …لغة موقف
الموقف هنا لغة متابعة للحدث الآني، أو بيان رؤية التأثير الفعلي لهذا الحدث. واللوحة تخاطب الكل بشكل غير مباشر، فتنقل لنا الحدث وتبعاته، عبر رسمة بسيطة بلغة واضحة، لها تأثيرها في السلوك العام، وهو أن نجتمع حول مفهوم معين، قد لايكون واضحاً لنا، أو قد لايكون في مدى رؤيتنا له، فتأتي اللوحة لتذكرنا به، أو تنبهنا إلى شيء بعيد عن مدركاتنا. والموقف يحدده الرسام أو الفنان، الذي يقدم العمل أو الصحيفة التي تتبنى الموقف، وبالتالي تطرح لغة الحوار مع الآخر من أجل المثاقفة الحقيقية، وهي إحدى مهام الإعلام الرئيسية .
هذا بشكل عام، ولكن عندما يكون الموقف خاصاً بعض الشيء حول حدث مستجد أو قرار غامض أو غير متوازن، يراد التذكير به، فلغة الكاريكاتير هنا مهمتها أن تنبه إلى الحدث من خلال موقف أكثر قوة أو حدّة أو وضوحاً، وبالتالي بيان الرأي حول ما يجب أن يكون. فتأتي اللوحة ملخصة للحدث، تغني عن مقال بعدة صفحات أو أسطر، مترجمة الموقف بلغة مقروءة للجميع، وتعيد للذاكرة قوة الفعل الحقيقي للحدث، أو تعيد صياغة المفهوم حوله. فاللغة البصرية الرمزية، التي يخاطبنا بها الرسم الكاريكاتيري، يكون لها تأثير مباشر وإيجابي أكثر من أي كلام أو عنوان، قد يدعونا لقراءة محتوياته.
الكاريكاتير…فن سخرية
يعتمد فن الكاريكاتير، في لغة النقد الواجب تبنيها، مفهوم السخرية الموضوعية من الحدث أو الموقف، ولغة السخرية تعتمد على إعادة صياغة الواقع، عن طريق المفارقات الفنية والفكرية بالرسم، أو المعنى، للوصول إلى الهدف، وهو بيان الرؤية. والمفارقة تعني إعادة توزيع المفردات بشكل غير مألوف، والسخرية نوع من التعبير الواضح عن الواقع، أو ما يفرضه الواقع من أفكار، قد تضلل السلوك العام. وهذا السلوك يجب أن يحافظ على تواتر معين، لبيان القيمة الفعلية للحدث. والسخرية- بتقديري- هي الجدية في الطرح، أو المثالية في الموقف، من أجل التنبيه أو التبني لفكرة هامة، ومن باب آخر، تعتمد السخرية في فن الكاريكاتير على تقريب المفهوم، وخلق جو أبسط للحوار مع الآخر، وهذا الآخر هنا هو الحدث بكل مفرداته ومقوماته.
وقد تعتمد السخرية على تقنية خاصة في إخراج الصورة من الناحية الفنية، وعلى الرسام اعتماد ما يسمى نقاط التمييز في العناصر، وإظهارها بشكل مباشر، لتطغى على الموضوع، لخلق روح الفكاهة من الشيء المهم الذي نود التنويه عنه.
الكاريكاتير…فن تحريضي
الكاريكاتير يدعو إلى الصحوة عن طريق النقد الساخر والبنّاء، وهذه الصحوة هي التذكير بمفردات ذات أهمية على صعيد السلوك العام، من خلال لقطات غنية، تبحث في بعد الرؤية الحياتية نتيجة المواقف المتعددة ، لذلك ندعوها بالتحريضية، لأنها دائماً تدعونا للحوار مع الذات ومع الآخرين والتنبه إلى هواجس أو مخاطر الأحداث المتكررة أو المفاجئة. فالتحريض بمفرده يدعو، بشكل أو بآخر، للمشاركة بالتفكير من جهة، وتقييم نمط السلوك من جهة ثانية.
وبما أن الرسم لغة مفهومة للجميع، فهي ليست بحاجة إلى الترجمة، فقط الدعوة إلى الانتباه والصحوة الحقيقية، واعتماد مبدأ التبني للفكرة والموضوع المثار، فلهذا يعتبر فن الكاريكاتير فناً تحريضياً عالمي المستوى والأداء.
الكاريكاتير… فن تثقيفي
رسام الكاريكاتير لا يختلف عن الناقد السياسي أو الاجتماعي، أو حتى المحلل الفعلي للقيم، والمواقف الاجتماعية والفكرية، ولا يختلف عن الكاتب أو الأديب الذي يصور الحياة وينقلها بشكل مكتوب، من أجل إعادة صياغة الواقع بشكل أفضل، أو حتى الشاعر الذي يخاطب وجدان الناس، وينقل لهم الهواجس والأحاسيس.
لهذا، العمل الكاريكاتيري…. عمل تثقيفي إعلامي، يعتمد على تخصيب الذاكرة بأسلوب الجزالة في النقد، والبساطة في الأداء.
وفي الوقت نفسه يدعو الجميع للمشاركة والحوار والنقد البنّاء، وإعطاء مجالات واسعة للبحث من خلال تنوع المواضيع، التي يطرحها اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو سلوكية، وبالتالي يفرض نفسه بقوة على الحياة العامة والخاصة، بكل بساطة، ويعمل على التغيير في التفكير والسلوك، وهو هدف للمثاقفة.
………………………………………………………………………………………………………………………………………………………..
هيثم أبو سعد
جريدة البعث السورية
Director| Raed Khalil
موقع الكاريكاتور السوري الدولي
رسام الكاريكاتور السوري رائد خليل
| جميع الحقوق محفوظة|