الكاريكاتور العربي …. تأثر فتأثير
الكاريكاتور العربي …. تأثر فتأثير
ولد فن الكاريكاتور في عالمنا العربي لأسباب مشابهة لتلك التي دفعت عوالم أخرى لتبنيه وتوظيفه، فمن ضغوط الاحتلال والفقر وتبديد الخيرات أتت الثمار الأولى لهذا الفن في مناخات عانت ويلات الاستعمار وما تمخض عنه من مخرجات سياسية واجتماعية.
ظهرت بواكير فصول قصة الكاريكاتور في مصر، وكانت البداية مع مجلة “أبو نظارة” النقدية الفكاهية التي أصدرها “يعقوب صنوع” المولود لأبوين مقيمين في مصر ونشأ في قصر محمد علي باشا وأرسله والداه لتعلم فنون المسرح والموسيقى والرسم في إيطاليا، واستعان في مجلته تلك برسوم كاريكاتور لفنانين إيطاليين.. ثم زاد الاهتمام بهذا الفن.. فنذكر على سبيل المثال واحدة من المجلات التي صدرت في هذا المجال وهي مجلة “الكشكول” التي حوت رسوماً بديعة لفنان الكاريكاتور الإسباني المتمصر “جوان سانتيز”..، وفي سنة 1925 زار مصر واستقر فيها الفنان الأرمني “صاروخان”، وفي نفس الفترة ظهر الفنان التركي “علي رفقي”.. وعلى يد هؤلاء الثلاثة نشأت المدرسة المصرية في الكاريكاتور..
ويُعتبَر الفنان “محمد عبد المنعم رخا” الأب الحقيقي لفن الكاريكاتور العربي.. فقد ابتكر رخا عدداً من الشخصيات التي نالت شهرة كبيرة مثل “ابن البلد، ورفيعة هانم، والمصري أفندي” وكانت هذه الشخصيات مصرية صميمة في خفة دمها وتعبيرها عن نبض الشارع المصري، وتجسيدها لأحلام المواطنين، وانتقادها للأوضاع الاجتماعية والسياسية برُوح لاذعة وخطوط جريئة، ومثل دومييه دخل رخا السجن لمدة أربع سنوات بسبب رسم كاريكاتوري بتهمة “العيب في الذات الملكية”!
وفي مدرسة رخا تخرجت معظم الأسماء التي أصبحت شهيرة بعد ذلك مثل: عبد السميع عبد الله، وزهدي، وصلاح جاهين، وجورج البهجوري، ومصطفى حسين..
وهذا الأخير أصبح نجماً بسبب رسومه في جريدتي “الأخبار”، و”أخبار اليوم”.. فقد كون ثنائياً متميزاً مع الكاتب الساخر “أحمد رجب” وابتكرا عدداً من الشخصيات الكاريكاتورية المهمة مثل: “مطرب الأخبار، وكمبورة، وعلي الكوماندا، وعبده مشتاق، وقاسم السماوي، والكحيتي، وعزيز بيه الأليت.. وغيرها” حيث تعلق تلك الشخصيات على الأحداث الجارية اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وتنتقدها من خلال أفكار أحمد رجب ورسوم مصطفي حسين.. ومن أشهر الشخصيات التي ابتكراها: “فلاح كفر الهنادوة” الذي يجلس مع كل رئيس وزارة مصري ومع رئيس مجلس الشعب ويخبرهم بآراء المصريين البسطاء في سياساتهم بصراحة ودهاء الفلاحين؛ إذ يوجه اتهاماته في صورة دفاع عنهم ضد ما يقوله بلدياته “الواد ابن أبو سليم أبو لسان زالف”! وفي العراق كانت هناك محاولات مبكرة تزامنت تقريباً مع تلك التي ظهرت في مصر، ولكن بداية التوظيف الحقيقي للكاريكاتير ظهرت في ثلاثينيات القرن العشرين. ومن أشهر فنانين تلك المرحلة عبدالجبار محمود وسعاد سليم وفائق حسن وعطا صبري.
وبدأ فن الكاريكاتور من هنا ينتشر في أرجاء الوطن العربي بعد انتشار الصحف ودور الطباعة والنشر بالشكل الذي سمح لهذا الفن بالحضور بشكل طاغٍ وحصوله على شعبية جارفة أسستها معطيات مراحل كثيرة مر بها الوطن العربي.
وبعد هاتين التجربتين الأكثر قدماً في تاريخ الإعلام العربي، انتشر هذا الفن في بلاد الشام والمغرب العربي ودول الخليج ليصبح جزءاً لا يتجزأ من الوليمة الإعلامية اليومية التي يتناولها القارئ.
*- المقالة من فنون
Director| Raed Khalil
موقع الكاريكاتور السوري الدولي
رسام الكاريكاتور السوري رائد خليل
| جميع الحقوق محفوظة|