رسامو الكاريكاتور..في الواجهة دفاعاً عن الوطن
رسامو الكاريكاتور..في الواجهة دفاعاً عن الوطن
رائد خليل*
كثيرة هي العبارات التي تُقال، بالأبيض والأسوأ، نقطة انتهى، إلى آخر الكلام، والكلام عليكم.. كلمات يبدأ أصحابها بها، لقراءة المتغيرات بكل أنواعها، سياسية، اقتصادية، واجتماعية.
من هنا، ينطلق بعض رسامي الكاريكاتور ليتركوا مساحة من التأمل لقراء الكاريكاتور بأصنافهم وأطيافهم كافة.. ليغوصوا في الواقع الآني عبر خطوط وظلال وتكسير ملامح وإيحاء، ولكن برؤية مستقبلية للأحداث.. فنراهم ينتقلون من حالة إلى حالة، متسلحين بأقلامهم، يحملون هم الوطن.. وما أدراكم ما الوطن..؟
لقد تحوّل رسام الكاريكاتور المؤمن بوجوده الآن، إلى بارومتر حقيقي، يقيس في سماء المتغيرات درجات الحقد والعبث والأدوات التحريضية وغيرها، التي تحاول النيل من عزة سورية..
ويدرك الجميع الآن، أنّ سورية مستهدفة، بسبب نهجها الوطني الذي يقاوم الاحتلال الصهيوني والمخططات الأمريكية.. ولهذا تحاول الدعاية الغربية و«البعض العربية» بكل أشكالها وألوانها وتحت مسميات كثيرة، أن تقف ضد مشروع سورية التحرري.. وفي هذا المتغير المفروض من خارج الحدود، أعلن البعض من رسامي الكاريكاتور السوريين والعرب وقوفهم، وقالوا كلمتهم في الدفاع عن سورية الحاضنة للجميع، وتعرية أصحاب النظريات الهدّامة ، وعبّروا برسومهم عن التكاتف والصمود لقطع الطريق على دوائر القرار الاستعماري في اتخاذ أي إجراء يعيد منطقتنا مئات السنين إلى الوراء، ويخلق الفوضى التي بشرتنا الولايات المتحدة بها.
فالفنان السوري ربيع العريضي، جسّد الواقع الجديد برسوم حاكت الوجدان، وسلّط الضوء على ساعة التفرد بالعالم من خلال تشخيص دقيق لدقائق الزمن المصبوغ بألوان الأمركة.. ودعا إلى تحليل بسيط للواقع الراهن في صراع قوى الخير والشر.. وركّز في بيانه الوصفي عبر رسومه إلى ما يأتينا من شعارات العصر الحديث المعلبة في دوائر الغرب، ومعلبات أخرى جاهزة ولكنها منتهية الصلاحية.. ويرى العريضي أنه كلما زاد المد الثوري العربي المطالب بالحريات ضمن سقف الأمة ومصالحها، زادت الهجمات الغربية بحجة أنهم- أي الغرب- هو الوريث الشرعي لكل حرية تعلن أو مطلب حق.
وحيث أن سورية بموقعها الهام كالحضن الدافئ للأمة جمعاء، و بنهجها المقاوم والداعم لقضية العرب المركزية «فلسطين»، فقد كان لها النصيب الأكبر، في استهداف موقعها الحصين والمتين.. ولأنها آخر قلاع العرب باعتراف الجميع باستثناء الذين خانتهم ذاكرتهم .
أما الفنان الفلسطيني علاء اللقطة، فقد جاءت رسالة تضامنه ندية كبيادر فلسطين وليمونها، وأكد وقوف الفنانين الفلسطينيين جميعاً مع سورية الحبيبة قلباً وقالباً ، وقال: سنلبي النداء، وقد حان الوقت نحن الأبناء، أن نردّ بعضاً من جميل أمنا الحبيبة سورية، وهذا الكلام لم يختلف معه الفنان رمزي صالح من السعودية، إذ قال: إيماناً مني بواجبي تجاه سورية، أعلن تضامني مع سورية في وجه العبث الخارجي إلى أن تزول هذه الغمامة السوداء عن سماء سورية النقية، وأن يعود كيد المغرضين في نحورهم، ليفشل مسعاهم، ويسقط لواءهم.. ولم يبتعد الفنان السوري نضال ديب عن سياق الموضوع ذاك، فقد صور في عمله أيضاً يد الفتنة والخارجين على القانون ، تُقطع بيد أبناء سورية جميعاً.
أما نزار عثمان من لبنان، فقد تصدّرت لوحته التضامنية مع سورية صحيفة البناء اللبنانية ، في مشهد تلاحمي استثنائي شهدته سورية.
ومن العراق الجريح، وعلى أجنحة حكايات السندباد وياسمينة، أرسل إحسان الفرج صرخته المدوية عبر رسوم لامست الحقيقة المتجذرة لبلد عُرف على مدى التاريخ بمواقف أبنائه.. ويبوح الفرج بكلمات محب عاشق للشام وسائر مدننا بالقول: يتقد الحماس ويشتعل، تضطرب المدن وتلتهب…إلا سورية.. تتغير الدروب، تتبدل الخرائط، وتزحف المدن…إلا سورية.
فهذه البلاد الحيّة منذ فجر التاريخ، التي ما زالت حتى الآن نابضة بالحب والحياة، يستحيل أن تستبدل رداءها، وتستعير مايرتديه غيرها….! لأنها البلاد الوحيدة على سطح المعمورة التي يجتمع فيها الماضي مع الحاضر في آن واحد، ويمتزجان معاً بعفوية لا تصدّق… كما رأيته بامتزاج أطيافها حد الذوبان.. ويسأل أيضاً، أليست هي مهد الحضارات والأديان واللغات والشعوب..؟
أليست هي الأم الرؤوم التي أنجبت وأنجبت ما تفخر به الإنسانية جمعاء؟
إنّ سورية ستظل منيعة عصية على كل بركان وزلزال وتسونامي.
ومن المغرب حذر الفنان الدرقاوي عبد الله من المخططات التي تحاك ضد الأمة كلها، فقد صور في لوحته مشهد إعادة هيكلة المنطقة بما يتناسب والرؤية الصهيونية في تغيير الملامح ، وإعادة “ سايكس بيكو” بأثواب جديدة ، بينما العالم العربي يترقب المزيد من الانكسارات والهزائم، وفي لوحة أخرى يصور التفاف الثعبان الصهيوني حول سارية العلم السوري في مشهد تحذيري أيضاً من حجم ما يطبخ في مراكز الفتنة العالمية.
تعتيم، فبركة، تضليل، أكاذيب، فتنة، هذه صورة أخرى وكلمات جاءت في سياق ما يحاك ضد سورية، وقد عالجها الفنان السوري فهد البحادي بأسلوبه الجميل، ليؤكد أن العبث لم يأت من فراغ، وإنما بشكل تراتبي لمزيج مبرمج من الإعلام والمال السياسي الملوث ودعاة التخريب، وبأبواق لا تحمل سوى السم في طروحاتها، ولم يكن العراقي علي الساعدي بعيداً عما يجري، وقد توافق فكرياً في طرح الموضوع مع البحادي، عندما أضاف إلى آلة التخريب والعبث، الغطاء الأممي، الذي يوفر غطاء واسعاً لأمن اللقيطة إسرائيل وكيانها الإجرامي. وهذا ماعبّر عنه أيضاً السوري أكرم رسلان، من خلال أصابع تحاول جهاراً نهاراً إشعال فتيل الأزمة وتأجيجها على مبدأ، نجحنا في أماكن ونحاول هنا.. ولكن السوري محمد العلي قد أوضح على نحو مباشر حال النعام المدجج بأحزمة الحقد والكراهية، عندما اقترب من سورية كيف مارس – أي النعام- هواية دفن الرأس في الرمل.
ورسوم أخرى للفنان الفلسطيني هاني عباس والسوري ياسر أحمد، اختزلت حالة الحملة على سورية بتعابير عاطفية نابعة من الحرص على وحدة الأمة وكرامتها.
أما الفنان والناقد التشكيلي عمار حسن، فتحدث عن موقع المثقف والفنان في خطوط المواجهات الأمامية التي تستهدف الوطن، وقال: علينا الآن أن نكون في مواجهة الأدوات التي تحاول فرض حالة من إفقاد الفاعلية على مستوى الحراك الفكري والثقافي والفني العام.. وأن نتحرك بقوة أكبر، كل من موقعه وضمن إمكاناته.. انطلاقاً من حبنا وواجبنا البنّاء في حماية أمن الوطن الذي هو أمننا، أما بقية الأشياء أو الأقوال فتأتي بعد ذلك، ويضيف حسن: إننا الآن شهود عيان على شهود العيان الفضائيين الذين باتوا أوراقاً مكشوفة، فهل ننتقل إلى فعل المواجهة الحقيقي على الأرض واليوم قبل الغد.؟
……………………………………………………………………………..
*- جريدة البعث-14203 – تاريخ: 11/4/2011