معرض سورية الدولي للكاريكاتير قراءة جريئة لمتغيرات العالم

113
 
معرض سورية الدولي للكاريكاتير
قراءة جريئة لمتغيرات العالم
 
ست سنوات هي عمر مسابقة سورية الدولية للكاريكاتير التي تؤكد عاماً إثر آخر أهمية هذا الفن لى خارطة الثقافة العربية والعالمية، وعبر دورات المسابقة قدمت موضوعات تنوعت في أهميتها، ففي كل دورة يُقَدَّم موضوع يتحدث عن قضايا تهمُّ الوطن والمواطن، وفي معرض هذا العام كان  الإعلام بوسائله كافة المحور الذي تناولته اللوحات المشاركة في المسابقة، حيث شارك أكثر من 400 رسام من 76 دولة. لكن لماذا اختار منظم المسابقة، الفنان رائد خليل، الإعلام موضوعاً لهذا  العام، وما أهمية طرح هذا الموضوع في الوقت الحالي، وإلى أي مدى هو مكمل للموضوعات التي تناولتها هذه المسابقة عبر سنواتها السابقة؟… وبالتالي أمام موضوع حساس كهذا ما هي المعايير لتي اعتمدتها لجنة تحكيم المسابقة في قبول اللوحات المشاركة، وما الدور الذي يلعبه هذا المعرض  في الحراك الثقافي …؟وقد حدثنا الفنان رائد خليل قائلاً:
تحدثنا كثيراً عن حلم إقامة مهرجان دولي للكاريكاتير في سورية، وطرحنا الكثير من الأسئلة  الإشكالية التي جعلتنا نحاول ونسعى لتمثيل المفردات وتجسيدها بصرياً في صور مرئية إيحائية رمزية، وفي متابعتنا الدائمة لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الدول، نسأل أنفسنا: ماذا قدمنا، وما هو  المطلوب لاحقاً وفي القادمات من الأيام؟ وهل نستطيع تقديم الممكن ضمن رؤى جديدة وإضافات مغايرة باختلاف الزمن والوقت؟.
ماحققناه حتى الآن هو قراءة جزئية للمتغيرات العالمية، وسعينا لاكتشاف أدق التفاصيل والاندماج  مع أحداث العالم، اندماج يضفي مع الزمن أبعاداً جديدة برؤية مختلفة نكتشف فيها أسرار الفن والتواصل الخلّاق في عالم مفتوح على ثقافات متعددة.
في معرض سورية الدولي السنوي، نفتح الباب- كما قلنا- على مصراعيه لعالم المعرفة الواسع ، تأكيد الهوية البصرية المتفردة للكاريكاتير في عالم الفن التشكيلي، وخَلْقِ بعدٍ حسيّ ونظرة مفتوحة على آيديولوجيا التغيير لتحقيق الهدف الذي تسبقه عملية بناء ذهني مدروس وفق تصورات و مراحل  تتابعية في تخصيب الفكرة وتحريك الذهن.
إن استحضار أعمال الكاريكاتير إلى سورية وعرضها على المتلقي السوري، تشكل نقلة نوعية في  حوارية تعكس مدى الحاجة للالتصاق مع مضامين الفن ورسالته، وتطويع مفردات الاستلهام والرؤية الخاصة، والهدف هو إيجاد مسلك حقيقي للوصول إلى أكبر شريحة من المتلقين، أو بلورة حالة من  التناغم الحسّي عن طريق رسائل بصرية معرفية تعزز مهمة الكاريكاتير وإيقاعه خصوصاً، والفن بمدارسه المختلفة عموماً.
يبقى أن نشير إلى موضوع هذا العام ( وسائل الإعلام) ، فقد استوقفتنا أسئلة البعض عن سبب  اختيار الموضوع وأهميته، حيث إن قضية الإعلام تعدّ من أخطر المواضيع المطروحة الآن، لما له من تأثير في سلوكيات المجتمع وهويته، وهذا الكلام غير مبالغ فيه.. وطرحه في فن الكاريكاتير،  يشكل أيضاً دعماً لكلامنا، فالكاريكاتير كما هو معلوم، يحتوي نسيجاً متكاملاً من بُنى شكلية تتكئ على  معين الوقائع والأحداث في رؤى مختلفة . وهذا يؤكد أن بعض فناني الكاريكاتير يتمتعون بحس بتكاري متسع على كل الاحتمالات في اختزال الواقع مادام يعبّر عنه بشجاعة. وهذا لا ينفي أيضاً خصوصية الوصف في طرح الممكن واستعارة الإيماءات بكل تجلياتها، حالمة كانت أم متأملة.
مسابقةحققت مصداقيتها وحول أهمية تناول موضوع الإعلام ودوره في مسابقة للكاريكاتير يقول الفنان سعد القاسم، عضو  لجنة التحكيم: مسابقة حققت مصداقيتها، موضوع الإعلام اختاره منظمو المعرض، وقد تركوه  فضفاضاً، لأنه مفهوم واسع وشامل ولم يتم تحديد ما هو المطلوب في طرح موضوع الإعلام ودوره  في زيادة الاتصال والمعرفة، ودوره في تحويل الحقائق وتكريسها! وبالوقت ذاته تركوا وسائل  الإعلام مفتوحة بغض النظر عن تحديدها، فالإعلام تأثيره كبير في عصرنا، وله صفته العالمية،  وهذه النتيجة رأيناها في الرسوم التي تقدمت للمسابقة، بغض النظر عن جنسية الرسام، وهذا يشير  إلى عالمية لغة الكاريكاتير، وإلى وحدة المفاهيم حول دور الإعلام وتطابقها في رؤية كيف أن  الإعلام لا يجعلنا نرى الحقيقة إلا من خلال وسائله. هناك أيضاً السخرية من العمل الإعلامي
والصياغات والأساليب في التعامل، وباعتقادي أن الفنان رائد كان موفقاً في اختياره من سعة  المشاركة والكم الكبير للأفكار التي طرحت، ونحن أعضاء اللجنة واجهتنا مشكلة في التحكيم،
فالأعمال المطروحة مهمة، والأفكار جديرة بالتقدير، ومن الصعوبة حصرها في عناوين محددة،  ومجموعة الأفكار الكبيرة منها ما يتعلق بآلية العمل، ومنها ما يتعلق بالسخرية من فكرة أن الإعلام أصبح مصدراً لمعرفة الكثير من الناس، وهذا ما تؤكده الأعمال الثلاثة الفائزة. والأفكار المطروحة-  من وجهة نظري- كانت أفكاراً ذكية وعميقة.
أما من حيث المعايير التي اعتمدت في اختيار الأعمال المشاركة فالمعيار الأول كان القبول لأي عمل  يدور حول الإعلام، ومعيار الرفض ألا تكون في العمل سخرية عنصرية من معتقدات وجنسيات وقوميات وغيرها. ومن حيث تقييم الأفكار كان يهمنا تألق الفكرة، وهنا يدخل الموضوع الشخصي قراءة أي رسم لفت الانتباه. ومن جانب آخر كان موضوع التنفيذ التقني، وقد وجدنا صعوبة في التقييم، حيث هناك أعمال جيدة ومتشابهة، فاتفقنا أن نجري أكثر من فرز للأعمال، وأي عمل نتفق  عليه نحن الثلاثة نقرّه، حتى استطعنا أن نصل لاختيار العمل المطلوب، وكل واحد منا اختار 15 عملاً مستقلاً وقاطعنا النتائج، فخرجت هذه الأعمال التي شاركت في المسابقة، وطرح هذا الاختيار  على باقي الأعضاء عبر الانترنت، وكانت النتيجة مقنعة.
ويقيّم د. ماهر خولي هذه المسابقة، كونه يشارك بعضوية لجنة التحكيم للدورة الثانية على التوالي،  فيرى أن تطوراً كبيراً حصل في هذه المسابقة على مستوى المضمون، لاسيما أن الموضوع المطروح  له علاقة بالإعلام. وقد كان هناك تقارب شديد بين طروحات الفنانين المشاركين، بمعنى أنه يلامس  قضايا المواطن في كل أنحاء العالم، واللوحة الفائزة تمثل صورة حية رأيتها في أطراف دمشق،  حيث عائلة تسكن في خيمة، وتنصب دشاً إلى جانبها، وهذا دليل على حضور الإعلام في حياتنا  كمفردة يومية.
أما على المستوى الفني هناك استمرارية للدورات السابقة على مستوى التقنيات، وكنا أمام صعوبة  حقيقية في انتقاء الأعمال التي ستشارك في المسابقة، فالأعمال متقدمة فنياً وتقنياً، وأرى المشاركين لى مستوى عال من التقنية في التعامل مع لوحة الكاريكاتير.
ومن حيث المعايير التي اعتمدناها في التقييم فإن أي عمل إبداعي لابد أن يتوافر فيه عنصران  أساسيان هما المقولة والشكل، فمن حيث الفكرة كانت هناك ملامسة للهم اليومي للإنسان في العالم،  وفنياً دائماً أي عمل فني يريد أن يوصل الإبداع بتقنيات العمل نفسه، وكل فنان له أدواته الخاصة به  في التعامل مع عمله، فقد تكون اللوحة غنية بالفكرة لكن تقنياتها متخلفة، والأعمال التي شاركت  حققت موضوعة التوازن بين الفكرة المطروحة وطريقة التعبير عنها، ولاشك هناك لوحات ممتازة  تقنياً،  والعكس صحيح أيضاً.
برأيي هذا المعرض له أهمية كبيرة، لأنه يكاد يكون الوحيد في سورية الذي يفتح نافذة للتعرف على  التجارب الجديدة في فن الكاريكاتير، وهو فرصة لكثير من الناس لمشاهدة أعمالاً متنوعة. والأمر
الثاني أهميته أنه يطلعنا على طريقة تفكير الآخرين، وهذا ما نعني به بالحوار كبديل عن المواجهات،  وهذه طريقة سامية في طرق الحوار.
خطوة موفقة
فنان الكاريكاتير هاني عباس يرى أن اختيار فكرة الإعلام كانت خطوة موفقة، نظراً للدور الذي لعبه الإعلام عبر وسائله كافة في تحريك الرأي العام العالمي، وتعدد القنوات الإعلامية أعطى
للمشاهد خيارات متعددة ليعرف الحقيقة من خلالها، من هنا تأتي أهمية الإعلام، فهو لا يخلو من  السلبيات لكن إيجابياته أكثر، والأعمال التي تم اختيارها للمشاركة استطاعت جميعها أن توصل
الفكرة، وأن تجسد العلاقة بين الإعلام والمتلقي، وكيف تؤثر الأحداث في الإعلام، كما تميزت لوحات  الفنانين باختزال الفكرة مع الحفاظ على الجودة لإيصال الفكرة للمتلقي بشكل واضح وبسيط
وبأسلوب فكاهي.
ومن حيث المعايير فنحن، رسامي الكاريكاتير، حكمنا أقسى من غيرنا لأننا نرى لوحات كثيرة وقليل  حتى تأتي لوحة تدهشنا. وأهم شيء في اللوحة هو تركيزها على الفكرة، وعامل الإضحاك بطريقة
راقية، كذلك تقنية الرسم والإخراج، وكيف تقدم الفكرة للمتلقي. وتأتي أهمية هذه المسابقة من منطلق نه لا يمكن لأي فن أن يتطور إلا بالمهرجانات، والفنان يرسم للناس، لذلك هذا المعرض يعرّف
المثقف السوري إلى رسامين من كل أنحاء العالم، ونتعرف أيضاً على طريقة تفكير الآخرين وبالتالي  تعرض رسوماتنا في مهرجانات أخرى عالمية، فالكاريكاتير أحد محركات الرأي العام، ويصور
تمازج الثقافات وحيويتها.
وعبّر الفنان فادي فاضل عن أهمية وقوة الموضوع الذي تناولته مشاركات هذا العام، فالإعلام خطير  في هذا الزمن بسلبياته وإيجابياته، وقد كانت هناك لوحات لفنانين حققوا الغاية وآخرين لم يوفقوا
كثيراً، وقد تميز كل فنان بأسلوبه الخاص به، فمنهم من ركز على الفكرة على حساب التقنية، وآخرون  اهتموا بالتكنيك وفكرتهم كانت ضعيفة. ومن وجهة نظري إن الفكرة القوية أهم من التركيز على
التكنيك، وإن استطاع الفنان أن يوازن بين قوة الفكرة وقوة التكنيك فهنا تكمن أهمية اللوحة،  وبالنهاية لكل فنان أسلوبه الذي يعمل عليه، ومأخذي على المعرض هو التقصير في الدعاية والإعلان
للمعرض، حيث أن صالة العرض بعيدة وغير معروفة للكثيرين، ما انعكس سلباً على جماهيرية  المعرض.
الميديا ووسائل الإعلام  من الفنانين الذين شاركونا استطلاعنا الفنان ربيع العريضي الذي حدثنا عن المعرض وأهميته  بقوله: مما لا شك فيه أن التطور الكبير الذي شهدته وتشهده سورية مع بداية الألفية الثالثة كان له  الأثر البالغ على مختلف الأصعدة السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية، ومن هنا انبثقت  فكرة مسابقة سورية الدولية السنوية للكاريكاتير لدى الزميل رائد خليل.. ولا ننسى أيضاً دوره لفاعل ( الكاريكاتير ) بما يحمله من سخرية ناقدة جعلته يتجاوز حدود اللغات والمستويات الثقافية  المختلفة بين شعوب العالم، حيث أصبح الكاريكاتير سلاحاً حاداً وفعالاً في التأثر والتأثير على مسيرة  الفكر البشري المتطور. وقد شكلت مسابقة سورية الدولية الأولى للكاريكاتير عام 2005 بدورتها  الأولى البذرة الأساسية بالتعريف بفن الكاريكاتير السوري، ونقله وتناقله، وتبادل الخبرات مع  الآخر، والاطلاع والانفتاح على ثقافات الشعوب كافة بهذا الفن الذي أصبح مع التقدم في الزمن اللبنة  الأساسية وطبق الفاكهة اليومي المقترن مع الصحف والمجلات ووسائل الإعلام والإعلان كافة.
وهنا كان لوزارة الإعلام السورية وإدارة دار البعث الدور الأكبر والأمثل في تبني واحتضان  ورعاية هكذا مسابقات دولية، لما تعطيه من دفع إيجابي في مسيرة التطور والارتقاء بالمستوى
الأفضل والأمثل للتعريف بدور سورية ونُخَبِهَا ومشاربها الثقافية على الصعيد العالمي، فجاءت فكرة  عنوان المسابقة لدورتها السادسة للكاريكاتير تحمل معها اسم (الميديا) ووسائل الإعلام لما تشكله من  أهمية في التفاعل مابين شعوب العالم أجمع، فكانت مسابقة هذا العام الأبرز والأميز عن باقي  المسابقات الماضية لما شكلته من نقطة تحول جذرية في عالم الكاريكاتير وخاصة السوري لما
شهدناه من تطور في عدد الدول المشاركة في المسابقة والتي بلغ عددها 76 دولة و 400 رسام،  والاهتمام البالغ لوسائل الإعلام.. وكانت مشاركات الفنانين من كافة أنحاء العالم تدل على مدى
الوعي والإدراك بأهمية هذه المسابقة. لما تشكله من دور محوري وأساسي من بين المسابقات لعالمية للكاريكاتير رع فن الكاريكاتير في نفوس جيل عربي  ويشاركنا الفنان نزار عثمان من لبنان برؤية يقول فيها: يجد بعض الباحثين أن ولادة فن الكاريكاتور  كانت مع الإنسان القديم يوم رسم طريدته على جدران الكهوف، ويرى البعض الآخر في الرسوم على دران الثكنات العسكرية الرومانية في بومباي التي حفظها رماد بركان” فيزوف” المنفجر امتداداً  لهذا الفن، وهناك من يمد صلته إلى مصر الفرعونية، وغير ذلك الكثير.
لكن ما يمكن قوله في هذا  الإطار إن الكاريكاتور المتعارف عليه من قبل الناس جميعاً بات اليوم في ظل الثورة التكنولوجية  والانترنت وسهولة النشر متربعاُ على عرش الفنون بلا منازع، والدليل على هذا كثافة المسابقات  الدولية التي تعنى بهذا الفن وتطرحه على مستوى العالم، إلا أن هذه الكثافة تنعكس ضمورا وتأخرا  في عالمنا العربي، إذ قلما نجد مسابقة دولية للكاريكاتير، على كثرة الجرائد التي يتلون فيها هذا الفن،  ومن هنا تنبع أهمية مسابقة سورية الدولية للكاريكاتير، التي انبثقت كشمعة منيرة فريدة في عالمنا  العربي، وهاهي تطفئ شمعتها السادسة، وما زال الإصرار على النجاح والترقي والتميز في عالم  الكاريكاتير هو الغاية. فليس من مبالغة القول إن هذه المسابقة قد زرعت فن الكاريكاتير في نفوس  جيل عربي كامل، ورفعت اسم سورية عاليا خفاقا على مستوى العالم، فالشكر غاية الشكر للمنظمين هذا الصرح الكاريكاتيري الوضاء.
وبدورنا نؤكد على تميز هذا المعرض، الذي كان خطوة إبداعية عالمية جديدة في فن الكاريكاتير،  وخاصة تناوله لموضوع الإعلام الذي يشكل سلاحاً فعالاً في التأثير على مسيرة الفكر البشري، من
خلال طرحه لقضايا وهموم إنسانية يشترك فيها فنانو الكاريكاتير في العالم، رغم الاختلاف في عض التفاصيل.. ونتمنى أن تكون هناك خطوات دائمة لرعاية مبدعينا وإنصافهم بأن تتاح لهم  ظروف التعبير عن تجاربهم وأفكارهم في بلدهم لأنه الأحق بهم وبإبداعهم.

متابعة : سلوى عباس
 المصدر: جريدة البعث السورية


Director| Raed Khalil
موقع الكاريكاتور السوري الدولي
رسام الكاريكاتور السوري رائد خليل
| جميع الحقوق محفوظة|

 
More..
Latest news