جورج البهجوري بعد كتابه المثير للجدل: رواد فن الكاريكاتير “لصوص ظرفاء”

142

جورج البهجوري بعد كتابه المثير للجدل: رواد فن الكاريكاتير “لصوص ظرفاء” 

هذه الأسطر القليلة أشعلت أزمة لم تنته حتى الآن في الوسط الثقافي المصري، فقد وردت في كتاب “الرسوم الممنوعة” لرسام الكاريكاتير المعروف جورج البهجوري الذي ينتمي إلى جيل الخمسينات وعاصر الحقبة الذهبية لهذا الفن.
من هنا جاء غضب وصدمة فناني الكاريكاتير بشكل خاص، فقد تساءلوا عن جدوى اتهام رمز كبير في الثقافة المصرية على هذا النحو، وأكد كثيرون أن جاهين في رسوماته لم يكن في حاجة إلى النقل عن أوروبيين بسبب تنوع أفكاره وخصوبة أساليبه المبتكرة.
بعيدا عن موجات “الهجوم” و”الهجوم المضاد” التي تداعت بسبب اتهام جاهين، فإن الكتاب الصادر مؤخرا عن دار “العالم الثالث” يحتوي على رسومات منوعة تعكس مراحل مختلفة من فن الكاريكاتير ذي النكهة “البهجورية” المميزة فضلا عن شهادة كتبها بهجوري حول تطور فن الكاريكاتير في مصر من واقع معايشة بهجوري لمراحله وتحولاته على مدار نصف قرن.
فيما يلي حوار مع الفنان جورج بهجوري:

فيما يشبه التراجع عن اتهاماتك، أكدت أن صلاح جاهين عبقري وصاحب أفكار مصرية خالصة ثم عدت لتؤكد انه مع ذلك “لص ظريف”، ألا ترى في ذلك تناقضا؟
دعنا في البداية نتفق على أن صلاح جاهين قامة غير مسبوقة في تاريخ شعر العامية المصرية، وأنا أتحدث فقط عن وقائع محددة كنت شاهدا عليها، والموضوع ببساطة شديدة هو أننا معشر جيل الخمسينات كنا كرسامي كاريكاتير نعتمد في بداياتنا على النقل من الكتب والمراجع الأجنبية ونأخذ منها أفكارا ونقوم “بتمصيرها”، والفنان الموهوب الحقيقي لا يمكن أن يستمر طوال مشواره “عالة” على ابداع الآخرين، وإنما من الطبيعي أن يبتكر أفكاره وأسلوبه الخاص، ويصبح مميزا به في المراحل التالية، وهو ما حدث مع صلاح جاهين، واستخدامي للفظ “لص ظريف” هو من باب الدعابة فقط، ولم يخطر ببالي قط أن أتطاول على جاهين أو اشوه ذكراه، اطلاقا، وبالمناسبة أقول إننا كلنا “لصوص ظرفاء” في مرحلة البدايات على الأقل، وكذلك كل رواد فن الكاريكاتير، وهكذا لا تجد أي نوع من التناقض، فجاهين لص ظريف وفق مفهوم النقل و”التمصير” حسب النهج المشروع، وعبقري استطاع وضع بصمة خاصة من خلال موضوعات مصرية صميمة حين تجاوز مرحلة البدايات ونضجت ريشته وبهذا يتضح أن شهادتي أسيء فهمها!

فور توالي الكتابات الصحافية التي تهاجمك بعد صدور الكتاب سارعت وقمت برسم كاريكاتير لك مع جاهين وأنت تصعد على السلم وتتوجه بتاج “ملك الكاريكاتير” هل كان ذلك نوعا من المصالحة؟
لم يكن ذلك مصالحة بقدر ما كان توضيحا لعلاقتي بصلاح جاهين التي تقوم على أساس الحب والاحترام، كما كان ذلك الرسم محاولة لقطع الطريق على هؤلاء الذين يزايدون على حبي لصلاح و”يصطادون في الماء العكر” ويتناسون أنني كنت الوحيد الذي رسمه باكيا في الزاوية التي كانت مخصصة لجاهين في جريدة “الأهرام” كما رسمت له “بورتريه” في حفل تأبين في اليونسكو في باريس أذيع على الهواء مباشرة بحضور محمود درويش واحمد عبد المعطي حجازي في ذكرى رحيل جاهين، ولا تزال مؤسسة “الأهرام” تحتفظ “بالبورتريه” الذي رسمته له بحب.

صدمة

ولكن والدة صلاح جاهين شعرت بالصدمة بسبب مبالغاتك الكاريكاتيرية في رسم نسب وجهه؟
حدث ذلك، ولكنها عادت وتأملت اللوحة وانسابت دموعها مما يعني أن البورتريه أعاد إليها الإحساس بروح وتفاصيل جاهين الإنسانية.
الكتاب يحمل اسم “الرسوم الممنوعة” رغم انه يحوي الكثير من الرسوم الحديثة التي سبق نشرها دون أي منع؟
معك حق في أن العنوان لا يعبر عن كل الرسوم وإنما عن شريحة معينة منها، وتحديدا تلك الرسوم التي أنجزتها بعد توقيع أنور السادات لاتفاقية كامب ديفيد مع العدو “الإسرائيلي”، وبالطبع هذه الرسومات كانت تحمل نقدا لاذعا لسياساته التي أدت آنذاك إلى عزلة مصر وإخراجها من محيطها العربي، وتم منع هذه الرسوم من النشر في مصر، ولذلك لجأت إلى نشرها لاحقا في بعض المجلات اللبنانية التي كانت تصدر في باريس أواخر السبعينات وأود أن أشير في هذا السياق إلى أن السادات كان يضيق بمعارضيه لاسيما من فناني الكاريكاتير الساخرين، والكاريكاتير هو فن السخرية من الأقوياء لذلك لم يكن غريبا أن تصبح رسوماتي واسمي ضمن قائمة المغضوب عليهم في عصر السادات.

هل تذكر أسماء أخرى في الكاريكاتير تعرضت ل “متاعب” في تلك الفترة؟
هناك حجازي وبهجت واللباد، فهؤلاء الثلاثة لم يستطيعوا التواؤم مع مناخ وتعليمات التهليل لسياسات كامب ديفيد التي سادت المؤسسات الصحافية القومية، فتوقفوا عن الرسم للاحتفاظ بكبرياء الفنان الحر وان كانوا قد اتجهوا إلى رسوم الأطفال. ومثلما سافرت أنا إلى باريس، سافر “رجائي” إلى استراليا و”السلمي” إلى ألمانيا.

وكيف كان الموقف “رقابيا” في عهد عبد الناصر؟
كنت أول من رسم كاريكاتيراً لعبد الناصر على غلاف مجلة مصرية، هي بالطبع “روز اليوسف”. كنت أثناء الرسم ألهو في التشكيل البصري حتى ابعد الحدود وأبالغ في رسم انف ناصر وأبالغ في انحناءة الذقن وكأنها تلتقي بالأنف ويختفي بينهما الفم المبتسم والشارب، أما عيناه فتحتفظان بسحر معين، أما خصلات الشعر فجعلتها تجعيدة نهر النيل أو جدائل أشجار اللبلاب، كان ذلك عام 1954 وكنت لا أزال طالبا في كلية الفنون، ولأن رئيس التحرير آنذاك كان الكاتب العظيم إحسان عبد القدوس فقد تحمس للبورتريه الذي رسمته ولم يستمع إلى مخاوف البعض خصوصا أنني أكملت الرسم وأنا اسحب في خطوط انف عبد الناصر حتى أصبح أطول من سترته، والمدهش أن الرئيس الراحل ناصر لم يحتج أو يعلق أو يعارض وإنما جاء الاحتجاج من مجلس قيادة الثورة خصوصا صلاح سالم الذي غضب لأنني رسمته صغيرا بجوار ناصر.

حنظلة

تتحدث في كتابك بكثير من الشجن والافتقاد عن فنان الكاريكاتير الشهيد ناجي العلي، ماذا عن علاقتك به على المستوى الشخصي؟
علاقتي به بدأت بأسبوع كامل قضيناه معا في مهرجان الكاريكاتير العربي في دمشق عام ،1973 وكنت قد وصلت للتو قادما من باريس ومعي لوحاتي الكاريكاتيرية التي لحقت في المعرض في آخر لحظة ودخلت حلبة النقاش مع حفل الافتتاح وعثرت على ناجي العلي في لحظة واقفا متحدثا وسط مجموعة المثقفين من أدباء ورسامين فضلا عن وزير الثقافة السوري، فقطع حديثه وتلقفني بالأحضان ولم نفترق لحظة طوال هذا الأسبوع، خاصة أننا كنا مجموعة أصدقاء جدد في حقل الرسم الساخر: علي فرزات ويوسف عبدلكي ونبيل السلمي والشماع.

لقد كان الشهيد ناجي العلي يقفز مثل “الكانجارو” في تحفز ويضرب بعصاه في الأرض كأنه يدب عليها بحضوره وبثبات وقع أقدامه، وتبقى العصا هي ريشته التي ترسم بتأثير العصا التي يستعملها الرجل الريفي في قريته أو البدوي في الجبل، كانت ريشته تهاجم كلاب السياسة بالضراوة ذاتها التي يستقبل بها نباحهم. ويبقى “حنظلة” شخصيته الفريدة والخالدة إدانة لكل من تخاذلوا أو باعوا القضية، فهذا الطفل الذي لا نرى وجهه أبدا ويعقد أصابعه خلف ظهره في غضب يسخر من تخوفنا وتلكئنا في النضال والدفاع عن الحق، ورحم الله ناجي العلي فهو نموذج لفنان الكاريكاتير السياسي الذي لن يتكرر.

فضلا عن ناجي العلي، من هم رسامو الكاريكاتير العرب الذين تعتبرهم من أبناء جيلك المتميزين؟
هناك الفنان السوري الجميل يوسف عبدلكي، التقيته هو الآخر في مهرجان دمشق واعتقد أن تميزه الأساسي يعود إلى غوصه بخطوطه في أعماق النفس الإنسانية ونقده السامي وسخريته النبيلة من الأوضاع السياسية في الوطن العربي.
ويقف الرسام الليبي الكبير “الزواوي” على منصة حرية الرأي وشجاعة الكاريكاتير في وطننا العربي، وعلى قمة رسامي الجزائر نرى هامة رشيد قاسي التي ارتفعت عاليا في باريس ومنها انتشرت رسوماته إلى العواصم العربية.

http://www.alkhaleej.ae/articles/show_article.cfm?val=184120

28-7-2005‏‏‏‏
 
 


Director| Raed Khalil
موقع الكاريكاتور السوري الدولي
رسام الكاريكاتور السوري رائد خليل
| جميع الحقوق محفوظة|

 

More..
Latest news