رائد خليل: الكاريكاتور يعيش عصره الذهبي لسعة وسرعة انتشاره

217

رائد خليل: الكاريكاتور يعيش عصره الذهبي لسعة وسرعة انتشاره

بلدنا – بيان عز الدين..


فنان سوري ارتبط اسمه بفن الكاريكاتور وأحد رواد الصحافة الساخرة ،رئيس تحرير موقع الكاريكاتور السوري ومسابقته، قدّم للفن العديد من الرسومات الإنسانية المعبرة عن واقع بلد ولد وعاش فيه، مثّل رائد خليل سورية في معظم المسابقات والمعارض الدولية والعالمية  كمشارك و عضوٍ في لجان تحكيمها ،وكرّم بجوائز عديدةٍ في إيران، وسلوفاكيا، وبلجيكا ..وآخرها كانت جائزة الصحافة الأولى للصحافة العربية في دبي، و صاغ قلمه أجناس فنية أخرى كالشعر وفن الكتابة.

كي نتعرف أكثر عن ماهية الفن الكاريكاتوري وحالة السوري منه،  وتجربة خليل المتفردة كان لبلدنا الحوار التالي معه:
– بداية ما هي وظيفة الرسم الكاريكاتوري ولأي فن ينتمي؟
– يمكنني القول هو فن امتلاك القدرة على معاصرة المجتمعات ومواكبة تطوراتها و تفاصيل يومياتها في سياق تعبيري يقودنا إلى قراءة الحالة بأبعادها الفلسفية التي تحاكي النوازع الإنسانية كافة، والرسم الكاريكاتوري لا يعدُّ صعباً لمن يجهل الرسم بل هو صعب لمن يعرفه.
في الكاريكاتور وظائف ومهمات، كل موضوع في الحياة يمكن أن يكون فكرة للوحة كاريكاتورية ساخرة، ليس كما يقال إنّ الرسوم التي تأخذ طابعاً مأسوياً لا يمكن أن تكون السخرية عاملاً هاماً فيها، على العكس، في حالة تجاهلها نفقد الكاريكاتور روحه.

–    وهل يبقى رسم الكاريكاتور جزءاً من الفن التشكيلي؟
الكاريكاتور حالة تعبيرية خالصة، والتعبير فن له رواده ومريديه..هو مخاطبة الوعي واستفزاز العقل للمشاركة في تحليل الخطوط والرموز على أرضية نابعة من تجذّر المفاهيم وترجمتها بما يناسب المعطيات الحديثة، هذا يشكّل ترجمة قيّمة لحالات الدهشة والحفاظ عليها..يعدّ ديمومةً منطوقةً  لترسيخ البعد بكل تجلياته الحسية.، يقول أهل المعرفة والعلم: لقد حان الوقت للاستعانة بالفن كقيمة لا غنى عنها. ويبقى مفهوم الفن تنموياً متكئاً على البصر والبصيرة، ومهمة صعبة في تهذيب فكر الإنسان.

–    هل ساهمت صحافة الكاريكاتور بسعة انتشار هذا الفن وتفاعل المتلقي معه أكثر؟ أم أن له جمهوره الخاص منذ البداية ؟
ذاتية الكاريكاتور واستقلاليته جعلاه محط أنظار الكثيرين، هو فسحة للتنفس، معادلة تحاكي الروح وتبعد غمامة الهموم لتمتعه بعناصر جذب كحالة تكوين تلمّ بآمال الناس وآلامهم..
الصحافة ساهمت وخلقت معه علاقة ود مع وجود استثناءات سلبية، لكن التفاعل أساسياً يسربل العلاقة بين المتلقي والصورة المقدمة،  يطرح الهم لا يعاجل المشكلة، وفتنته تكمن في حاجة المجتمع لتفسير تفاصيل الحياة وعناصرها.
أسئلة إشكالية جعلت الإنسان يمثّل المفردات ويجسدها بصرياً في صور مرئية إيحائية رمزية تحسباً من زوال تلك العناصر والأشكال.

–    لكن هل تُقدّم المشاهدات المتعددة للصورة الواحدة رؤى جديدة وإضافات مغايرة باختلاف الزمن والوقت؟
–    أعتقد أن المسألة ترتبط بالحالات التي يمرّ الفرد بها من انفعالات وقراءة المتغيرات واكتشاف أدق التفاصيل والاندماج مع انعكاس الصورة وسحرها.
وهذا الاندماج مع الزمن يضفي أبعاداً جديدة برؤية مختلفة نكتشف فيها أسرار الدهشة وفتنة الصورة.

–    إلى أي مدى أخذ هذا الفن في سورية حقه في التعبير أم أنه يخضع لضوابط أكثر من الفنون الأخرى كونه قائم على السخرية النقدية للواقع؟
نتحدث عن الفن بصرف النظر عن جغرافيته، بالطبع كل منظومة مجتمعية لديها ثالوث محرم، حتى في الدول المصدرة للديمقراطية بكل تلاوينها يحاكم الرسامون ويخضعون لأمزجة الساسة، فنقل الحالة وتجسديها بصرياً ربما يفرض عليها بعض القيود، والرسام الناجح  يحاكي المدى ويدخل في روح العمل دون أية استعراضات هستيرية ليسرق فيها الأضواء، والدخول بعمق العمل حقيقة كي نركز الذهن على الجزء الهام منه ونخلق حالة اندماج من تحليل الخطوط وفك رموزها إلى الفكرة  التي نقدمها  للناس حتى يصل الكاريكاتور إليهم بسهولة على اختلاف شرائحهم الاجتماعية.
مهما كان الكاريكاتور قريباً من الواقع ، يلقَ أحياناً تجاهلاً من البعض، فالرسم الذي يلاقي النجاح في سورية ويثير الضحك فيها قد لا يجد الإقبال ذاته في بلد آخر.
–    في ظل الواقع المؤلم الذي تعيشه بلادنا هل ثمة مواضيع معينة تميّز حالة الصحافة الساخرة ؟

غالباً ما تكون الوقائع  من أحداث سياسية واجتماعية ، مادة دسمة  لعمل كاريكاتوري وتتجلى في رسوم الكاريكاتور عند بعض فنانيه، مقامات  مفتوحة أبوابها ومشرعة على حالات وجدانية وتداعيات حسية مشغولة بأسلوب متكئ على معين الأحداث السياسية والاجتماعية.
في هذه الأوقات القلقة التي تسودها النزاعات والاضطرابات، يتلقى الكاريكاتور الحقيقة، ويوضحها بكل تناقضاتها في تجسيد المواقف وتمثيلها بصرياً.
ومما لاشكّ فيه، أن متابعة رسامي الكاريكاتور للأحداث السياسية يعدّ أمراً هاماً في تأكيد وظيفة الفن السياسية الدعائية التحريضية، لكن هنا لا نستطيع التعميم.

–    كيف تنظر للحالة الفنية أتجدها تقدم ماهو إيجابي اليوم ؟وماهو دور الفنان  في الأزمة السورية الراهنة؟
الكاريكاتور الآن يعيش عصره الذهبي بسبب الانتشار الواسع والسريع، وعزّز رساموه سلطتهم رغم رياح التغيير العاصفة بالعالم من كشفهم للسلبيات وتأثيرهم الواضح في الناس، عبر بارومتر يقيسون فيه درجات الظلم والاضطهاد.
وتبدو اختراقات رسام الكاريكاتور للموانع الآنية ونقل الواقع  إلى صورة واضحة المعالم على نحو مرئي، تظهِر قدرة الفنان على الخلق بأثواب جديدة ..يحيك فيها تفاصيل الشجاعة دون مواربة.
إذن، يحتاج الفنان لدعائم وركائز يبني فيها بيته المتين في مواجهة كل التحديات والحجارة التي قد يتعرض لها في الأزمات… والريشة لا تكفي لإنتاج كاريكاتور ناجح دون إلمام الفنان بالسياسة وروحها والوقائع الاجتماعية وتفصيلاتها التي تمده  بالذخيرة اللازمة لإنتاج صنعته ..هذا هو الدور.، ما النظر للحالة بعين التقييم فهنا نترك حرية القراءة للمتلقي..لأن المسألة نسبية .

–    قلت مرة (( الكاريكاتور عين ثالثة، يخلق من خلالها صوراً بعيدة عن المألوف)) .. متى بدأت رؤيتك بهذه العين ؟

العين الثالثة هي ما نراه  بنحو مختلف، أو كما يراهم بيكاسو..هم الذين يحوّلون الشمس إلى بقعة صفراء، والبعض الآخر يحوّل البقعة الصفراء إلى شمس..هنا تكمن فلسفة التلقي والمعايشة الجمالية في تبادل أخّاذ لمعطيات الحياة ، جميع العناصر التي  تكون العمل الفني تنبع  من وعي الإنسان وإدراكه، فيجد الفن مناخاً لتسليط الضوء على منابع الالتقاء والتباين  بتفاصيل يتعامل معها بلغة التفاعل الخلاق، واكتشاف أغوار النفس البشرية.

–     المعروف عنك التزام القضايا الانسانية ((كالفقر)) ، هل مازالت حاضرة في رسومك أم أن هول رديفاتها السياسية شغل قلمك أكثر؟
كثيرة هي مشاهد البؤس في العالم، البؤس أصبح  فلكلوراً يتغنّى فيه الفقراء على إيقاع الانكسارات ، إيقاع على مقام (الصَبا) في قرار الآه وجواب التنهدات، ولعلَّ  أكثر اللوحات التي تؤثر وتدخل المشاهد  في تفاصيلها هي التي تحاكي واقع الحال عموماً والفقراء خصوصاً.
إذاً هناك الكثير من الرسوم التي تحمل دلالات حسيّة وصرخات لا تختلف  عن صرخة “إدوارد مونش” الذي أطلق لوحته الشهيرة( الصرخة) عام 1893.. صرخة مضطرمة أمام قدرٍ لم يُعَش، وفي حضرة  كابوس يرتوي من هاجرة موتٍ مستنسخ.
البعض يرى في إدامة الصرخة تجلٍ لحروبٍ  تلوح في أفق القرن المتقدم نحو الحاضر. نعم هاهي الصرخات تعلو  لنقد الحالات المفتقرة إلى المعاني والمضامين الإنسانية  وما أكثرها.
السياسة هي ( الميم) الكل يدور حولها، طلق نيرانها فتحرق الجهات، ماعلينا نحن ( العامة) سوى الوقوف في وجه البشاعة وصولاً إلى تصويرها بحبر المواجع وأقلام أدمنت مقاومة الأيام التي حولها البعض إلى  “غرنيكا” حقيقية.

–     ألا تؤثر حالة التوتر الأمني الباعثة للقلق في نفوسنا سلباً على طقوس الرسم لديك؟
الموضوع يحتاج إلى فنجان قهوة..  تشبه القهوة التي طلبها الروائي الايطالي البرتو مورافيا من موسوليني..

–    من هي الشخصيات الأكثر حضوراً في لوحاتك؟ وما المدرسة الفنية المتبعة في منهج عملك؟

هناك حالة متكاملة، لا أميز شخصية عن أخرى، لكن الملامح تتشابه في انفعالاتها وتقاطعات الوجوه حد الوجع. أما عن المدراس، فتعد الأساليب التي تنتهج الومضة أو النص الفني الفلسفي أقرب إلى النهج الأوربي الشرقي، لأنها تتميز بأسلوب منطقي بعيد عن التهريج وميوعة الأعمال  المتبعة حديثاً المقدمة الكاريكاتور على طبق من فضة.
هذا ما يجعلنا نقف على ناصية التلقي بشغف  لكل الرسائل البصرية بألوانها وأطيافها، مرتبطة بأجهزة تعمل على تخصيبها بالاستقبال والـتأثير .

–    ماهي معايير العمل الفني الناجح؟

للعمل الفني مقومات نجاح متعددة ، منها الفنان نفسه وثقافته، وعوامل أخرى كالسخرية التي تشكل ركيزة لبناء اللوحة الكاريكاتورية، فكثيرة هي القصص التي تندرج في الإطار الكوميدي، تلهم المتابع ليخطّ من معين قراءاته السياسية رؤى ساخرة بطريقة مرنة أقرب ما تكون إلى التحريض والتبشير،

–    حصدت جوائز عربية وعالمية، ما الرسالة التي توجهها عندما تقبل على كل مسابقة؟ في زمن إقصاء الفن السوري عن بعض المهرجانات الدولية والعالمية؟
كيف نسطّر مسيرتنا دون الاندماج مع الآخر؟ وكيف نستطيع أن نؤسس لتاريخ لا يرتبط أساساً بالنشاط الفعلي الحقيقي؟
مناسبة الحديث هو الحالات الإبداعية المتعلقة بالإنجازات للفرد، أو بمعنى آخر، نيل المطالب لايأتي إلا بالفعل لا بالتمني.
حديثنا عن نتائج السعي لتحقيق الذات، التي غالباً ما يجني فيها المبدع ثمرة نشاطه لتبقى في سجل الإنجازات التي يرتكز عليها – الفنان مثلاً- في مسيرة حياته دون التوقف عندها طبعاً

–  كثرة الجوائز هل ترفع من سوية الفنان إبداعياً ؟ أم أنها أغلب الأحيان تؤثر سلباً عليه بسبب الشهرة وماشابه؟
الجوائز التي ألهمت الكثيرين سلباً وإيجاباً للحديث عنها منهم من يرى أنها للمبتدئين، وآخر أنها تقترن بعوامل سياسية محضة، وآخر ينتقد أصحابها بحجة أنهم يهرولون وراء الشهرة وبريقها…الجائزة برأيي هي كلمة شكراً على عطائك…!

–    أخيراً وبالاضافة للرسوم لديك نتاجات أدبية وشعرية منها الكاريكاتور وخصائصه في 2006 وكتاب المسرح 2007 وعن المرأة2007 ومجموعتك شعرية ((قفوا كي أراني))، ماهي علاقتك بالشعر ؟هل وجدت به تعبيرا لم تجده بالرسم؟

هي الكلمة التي تجعل الوجه يرنو عالياً، نجلس في روشن التأمل، حتى تلفح السمرة ضفائر الحروف وتنتعش الأماني.. هذه هي العلاقة، نؤطر النص بصور محتشمة تارة ونخلع  أثواب الخسارة تارة أخرى، ما بين هذا وذاك ثمة سرور خفي عالق على حافات التنهيدة، سيجيبنا عنها الشرود كخاطرة ولن نعرف  الهدوء… بانتظار حالة أخرى تطرب أصابع يدي.. وتُخلي سبيل الحبر فينا… دواتي تنظر بوحاً آخر… نتكئ فيه على تفاصيل القادم و الذاكرة معاً.
لا تلتفتي..قد لامني الحديث..
عسر الكلام.. طوته غبطة البوح..
قصاصات رجاء  منذورة لحين جنون…
فمن اصطاد فراشة شدونا..
وأشعل الطعنة في قعر الضلوع…؟
يكفي أنّي.. جمعتُ التمتمات من ثغر الغمام..
يكفي أني…رائدٌ… وللون  خليل..!


Director| Raed Khalil
موقع الكاريكاتور السوري الدولي
رسام الكاريكاتور السوري رائد خليل
| جميع الحقوق محفوظة|

 

More..
Latest news