فن الكاريكاتير العربي الدور والوظيفة- موقع الكاريكاتير السوري

156

فن الكاريكاتير العربي الدور والوظيفة 

مما لا شك فيه أن فن الكاريكاتير العربي هو فن متناسل من واحة التعلم المستعار وماكينة الانتقال بعدوى التفاعل المهني والبصري مع ثقافة وفنون الآخر في الضفة الإنسانية الموازية والمقابلة المتمثلة بالمجتمعات الغربية والأوروبية خصوصاً، ميدانه وحاضنته الدائمة الصحافة المقروءة في بداية الأمر والمرئية التلفزيونية والإلكترونية في المرحلة الحالية، كان يسعى أصحاب القرار في مهنة الصحافة إلى ابتكار مساحات بصرية وطرق مسلية وترفيهية ومروجة لبضاعتهم، وتحقق لصحيفتهم مزيداً من القراء عبر زوايا محمولة بالمتعة البصرية “الكاريكاتير” يرسمها فنانون محترفون في سياق حالة معبرة وموازية لمقولات السرد الشعبي “النكتة” المحكية في مواقف ورسوم هزلية غايتها الأولى والنهائية التسلية وإضحاك جمهور القراءة، وقد كانت الصحافة المصرية سباقة في هذا الاتجاه وشغلت مثل هذه الرسوم الطيف الواسع في كافة الصحف والمجلات الدورية، وماثلها في هذا كل من سورية ولبنان.

ولكن مع تطور الأحداث السياسية والاجتماعية والمتغيرات العاصفة في كافة ارجاء الوطن العربي مع نهاية منتصف العقد الخامس من القرن العشرين خصوصاً تلك المرافقة لنكبة فلسطين وتشريد الشعب العربي الفلسطيني عام 1948 واحتدام دورة الصراع العربي الصهيوني في حروب متعاقبة جعلت كل الأمور الحياتية للشعب العربي مرتهنة ومندمجة في متطلبات الصراع والمواجهة في كل تفاصيل الحياة اليومية وعلى كل الجبهات، وتعتبر الفنون الجميلة التشكيلية وفن الكاريكاتير في مقدمة الأسلحة الثقافية الفاعلة والمشاركة في هذا الميدان، منتقلة من حيز شكلي بصري عبثي غايته التسلية والاضحاك الى اتخاذ موقف جاد هدفه المساهمة في معركة التصدي للمشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة العربية عموماً، محملاً برياح التغيير والإيديولوجية والتعبير عن السياسات المرسومة في هذه المطبوعة العربية أو تلك.

فن الكاريكاتير العربي محمول على الدوام بدلالات ورموز وخلفيات فكرية متوالدة من قصص الأولين عبر حكايات ألف ليلة وليلة، وجعبة الجاحظ الثقافية وخيال الظل وسهرات الحكواتي ومعانقة لإشكاليات الواقع العربي المأزوم والمحكوم بقدر الاستعمار والصهيونية والقهر الطبقي والعولمة والامركة، مرتهن لقدرة الفنانين العرب من رسامي الكاريكاتير على مواجهة أقدارهم وصراحتهم التي كلفت بعضهم حياتهم وحريتهم.

يمكن للباحث ان يصنف فنون الكاريكاتير في اتجاهين رئيسيين:
الأول: من حيث المواضيع المطروحة التي يتناولها الرسامون بأبعادها الإنسانية الرمزية والوجودية ذات الطبيعة الإيديولوجية والتي تعكس حقيقة واقع اجتماعي ومفارقات يومية ما بين مختلف الطبقات والفئات ومواقفهم ودورهم في هذه المفارقات وما تحمله الرسوم من هموم ومشاكل مشهورة في كل أرجاء الوطن العربي عموماً وفي كل حيز جغرافي واقليمي خصوصاً.

الثاني: من حيث المعالجة التقنية وآليات الحركة المرسومة والمساحات الملونة المنتشرة على سطوح الورق والتي لا تخرج عن احبار الرسم والطباعة التقليدية والرسوم المنفذة بواسطة برامج الحاسب متعددة الاغراض، وتعكس روحية واسلوب كل فنان محمول بخصوصية البحث والتجريب والتأليف ومساحة افكاره وحريته وتفرده في ميدانه.

كما سبق واشرنا، بأن الصحافة بكل انماطها وانواعها المكتوبة والمرئية هي مجاله الحيوي ولا حياة وانتشاراً وفعالية لفن الكاريكاتير خارج ابوابها وصفحاتها متنوعة المقاييس والاخراج والسياسات المهنية والفنية والايديولوجية ، فالقضية الفلسطينية ومسألة الصراع العربي الصهيوني هي الشغل الشاغل للأمة العربية من محيطها لخليجها، شعوباً وحكاماً ومؤسسات مدنية وأهلية مفتونة بشعارات حزبية وعربية كبرى، كان فن الكاريكاتير الواجهة المناسبة للتعبير عنها ومناطاً به حمل لوائها وله دور، ووظيفة تحريضية تعمل على رصد الاحداث والمواقف وتعريتها بعين الفنانين البصيرة والناقدة وانعكاساً طبيعياً معبراً بشكل ما او بآخر عن هموم الشعب ومتطلباته واحلامه، وتجسيدها في حلول شكلية بصرية مفهومة الخطوط والملونات والكلمات باعتبار ان فن الكاريكاتير في عالمنا العربي هو فن الضرورة الاجتماعية والموقف السياسي المعبر عنه بصرياً بتبسيط شكلي واختزال ملحوظين، وبوابة مفتوحة على حروب الكلام والشعارات الكبيرة والدخول في مساحة الكوميديات “السوداء” النقدية والمنتقدة لسلوك القادة والحكام والمبررة لتذمر الجماهير بآن معاً، نجد في واحة رسومها اختصاراً للزمن والمواقف وخلفيات الدول والافراد والشخصيات، وكشفاً رمزياً لتبعيتهم وميولهم السياسية الحزبية والطبقية الوطنية او القومية او العالمية.

البعد الهزلي في فن الكاريكاتير العربي
لقد عكفت بدايات فن الكاريكاتير العربي في مصر على نقل الحكاية المصرية”الحدوتة” المزروعة في المزاج العام الشعبي المصري في بدهيته وفطرته اللافتة كتعبير مباشر عن مزاج الشارع المتناقل عبر الاروقة والأزقة والاحياء والسهرات من المحكي الشفهي في الاماكن العامة الى المسرود البصري عبر خطوط الفنانين التشكيليين، ومدى تفجر قرائحهم في تصوير تلك النوادر والحكايات بطريقة فنية مغايرة لمألوف الرسم الاكاديمي، وكان الهم اليومي ومشاكل الاسرة في كسب قوت العيال والزواج وصراع الطبقات ما بين الاغنياء والفقراء وابناء المدن والارياف، لاسيما الصعيد المصري ، ومسالك احلام اليقظة وحديث النساء من اكثر المواضيع الساخنة التي كانت تلقى رواجاً مع اذواق قراء الصحافة، وانتقلت روحية الفكاهة البصرية هذه الى كل المناطق العربية وغمرت الصفحات الداخلية والخارجية للصحف والمجلات لتكون الرسوم الكاريكاتيرية لسان حال الشارع العربي في خلفياته الوطنية والعفوية والايديولوجية الحاكمة والمحكومة،ووسيطاً تعبيرياً بسيطاً وسهلاً ومفهوماً من عامة الناس وخاصتهم وعاكساً طبيعياً لمشاغل الناس واهتمامهم ومكنوناتهم الحياتية ومعاناتهم اليومية .

البعد الانساني والوطني والقومي
يعتبر فن الكاريكاتير من مكونات الصحيفة اليومية العربية الاساسية ومن ابوابها المهمة حتى امسى في بعضها بمثابة افتتاحية القراء المحببة، ومن خلاله يمكن رصد حركة البلد الاجتماعية والسياسية، ويكون بذلك قيمة بصرية مضافة لنبش ذاكرة الناس ومواقفهم من الحدث ويعكس حقيقة التوجه السياسي والايديولوجي لهذه الدولة العربية او تلك، وان كانت القضايا الكبرى الانسانية في سياقها العالمي والمسائل القومية العربية مازالت تحتل مساحة معقولة من ابتكارات رسامي الكاريكاتير العرب، لكن الهم الوطني والخصوصية المحلية القطرية بدأت تحل مكان تلك القضايا الكبرى في محطات جغرافية وسياسية تشغل كافة اقطار المعمورة وتلبس رسوم الفنانين فيها دثار الهم الاجتماعي اليومي من متطلبات وامان ورغبات، هذا الامر جعل رسامي الكاريكاتير في كل قطر عربي في منافسة مع اقرانهم في ابتكار ادوات ومواضيع تعبير تمكنهم من الاحتفاظ بمكانتهم في فنهم وعملهم، مما اوقعهم في مصيدة اجترار المواضيع المطروقة والنقل غير المبرر لرسوم مأخوذة من مساحة الفن العالمي لاسيما تلك المتاحة في وقتنا الراهن عبر تكنولوجيا المعلومات وشبكات الانترنت على وجه التخصيص، ولا تخرج مواضيع وأساليب الفنانين عن المساحة الايديولوجية الممنوحة وفق هيئة التحرير وسياسة المجلة او الجريدة.
بقلم: عبد الله أبو راشد

جريدة البعث – العدد : 12678 تاريخ: 05/9/2005


Director| Raed Khalil
موقع الكاريكاتور السوري الدولي
رسام الكاريكاتور السوري رائد خليل
| جميع الحقوق محفوظة|

 

 


 

More..
Latest news