” سيجتُ دمعي ببكائك” جديد الفنان السوري رائد خليل
” سيجتُ دمعي ببكائك” جديد الفنان السوري رائد خليل
رائد خليل في “سيَّجتُ دمعي ببكائك” سَـيـَّجَ للـحـَرْفِ مَـا يـَصـونُ فَـضَـاءاتِه
أن تتحدث عن رائد خليل في تأملاته الملونة، يعني أن تحضرك ألوانه، وحروفه معاً، فهو بالقدر الذي أمتعنا بأسلوبه الفريد في لوحاته، استطاع، وبيسر، أن يجذب أرواحنا لقراءة تأملاته، ولئن انتهى أحدهم إلى تشبيهه بأحد، فلن يخرج إلا بنتيجة واحدة: رائد خليل لا يمكن أن يشبه إلا رائد خليل، صنعته في مسك فرشاته، مدّته بقدرة ملحوظة على تطويع الحروف في استنباط الجديد، وخلق اللوحة داخل القصيدة، والعكس صحيح، ولئن ابتعد رائد خليل عن تصنيف ما يكتبه تحت مسمّى الشعر، فله كل الحق في ذلك، كان له ما أراد، ولنا ما شئنا أن نعتبره.
وكما هي فرشاته طيّعة في خلق تمايز في ألوان لوحاته، ومضامينها، فكذا الحال بالنسبة لتأملاته، إذ لن يجد القارئ صعوبة في فهم، وإدراك ما يريد رائد خليل أن يوصله عبر حروفه، ولكن لا شك في أن تأملاته تلك من السهل الممتنع، وهذا ما حقق له الفرادة، والتميّز في اقتراف الحروف، وإتيان فعل الكتابة، كالرسم على ماء الروح بكلمات تحفر في العمق لتبقى.
الأنا عند رائد خليل
الأنا في تأملات خليل ليست واحدة، ولا يمكن أن تكون بحال واحدة، الأنا هنا تختلف في ظهوراتها، فهي البسيطة، المتناقضة، القاسية، المؤنبة، المُتحسِّرة، المتفاخرة، الحزينة، النادمة، المعطاءة، والعاشقة، باختصار إنها الأنا الحياة التي وهبت نفسها للجمال، رغم كل ما يعتمل فيها، وما تظهره من تناقضات، واختلاف حال، وهذا لا يمكن استغرابه عند فنان بحجم رائد خليل.
كيف يصرخ الصدى/ وأنا المكنى بأحجية الوديان/ رائد على محمل الوقت/ مغرور كنكهة الحانات/أنا من جعل السجود يقف / ولوى عنق الطاعة/ ودوَّن تاريخ رضابه بأقلام أصابعك/ اعترفي أني أنجبتُ ذرية رعش، أعادت توازن الكون.
كما تبدو محاولاته المستمرة لتأكيد حضوره الطاغي من خلال ممارسته الغواية اللفظية التي يدلل بها على أنه هو وليس أحد غيره، الملاذ الآمن لمن يهواها، فيعبّر عن توقه لملاقاتها، وهنا يؤكد الثقة المؤدلجة حسب ما يريد، ليثبت أنه حيث يكون، فلابد أن يوفر الأمان لمن ترافقه.
.. وفي الجهة المقابلة لسيرتي/ اعتراف صريع/ دحرجه صراخ المكان/ أواه.. ما أحلاك يا رائد / كلما انزويت/ أصيبت الحقائب بالكآبة/ واحتضرت المحطات.
يبدو رائد خليل في تأملاته حانياً على الكون، بعناصره، ومكوناته، بطبيعته.. ظاهر تكوينها، وتلك الكينونة الخفية التي تبدو عصية على الإمساك بها من قبل الكثيرين.
يُحكى أني ما مررت بحقولكم يوماً/ إلا وانحنت سنابل البهاء/ يُحكى أني سيّجتُ أزمنتي/ وقلعتُ جنون الحطام والبلاء.
كما يبدو مُشفِقاً على نفسه في كشف أسرار ربما لم يكن ليبوح بها إلا في تأملاته هذه، مُصرِّحاً بما يكشف عن موقفه من الحياة وما فيها، وتمرُّده المستبد على ما يخالف نظرته، وحقيقة انطباعاته المتكونة من معرفة ودراية بأسرارها.
دعيني أكمل نصي/ قنديلي زيته مخنوق/ المغفرة.. المغفرة/ ثمة أنين يلتصق بي/ حيرة تؤجج مناسك حبري.
يصور صاحب “أنا مع حفظ الألقاب” حالة توق حارة إلى انصهار الوجد، واقتناص الرغبات، ليعلن خلعه لأسمال تبعده عن الوصال مع الحبيبة.
ممشوقة الوقت/ تناطحين سحاب التكتكة/ وجموع رملي مضمدة بعبور خطاك/.
يبدو ارتباط رائد خليل بالمكان، وما يمثله له قوياً، وكذا يظهر واضحاً وجلياً تقديره للزمان بسطوة حضوره في تأملاته، وعلى الرغم من وفائه لما كان في تاريخه، وماضيه، وحتى ماضي من سبقه، إلا أنه يبدو مُنجذِباً ليحيا اللحظة بكل ما تحمله.. إن تقديره لأهمية الزمن، وعدم تسليمه بالماضي لا يدع حاضره يمر دونما ترك أثر، وأيُّ أثر.
استدار الذهول/ فذكّرته بماضيه/ تأبط شرقاً/ وآخر الغروب كان قلقاً/ فحسبت أني قرع أجراس/ قال: هذي طفولتي/ فمن يلم شمل تعجبي.
إشارة واضحة المعالم في تأملات رائد خليل يمكن اختصارها بالتعبير عن قدرته في القفز فوق المتوقع ليصنع للدهشة دهشة، وفي هذه خصوصية قلّما توجد عند غيره ممن اقترفوا التأمل وأبدعوا فيه.
ربما ينتاب القارئ أحياناً أن التركيب اللفظي لدى رائد خليل مُؤطَّر بأحكام قيمية، ومحددة سلفاً لديه، لكنه سرعان ما يكتشف مع توالد المعاني، وانسياب الأفكار أن ثمة انخطافاً عاجلاً يؤازره حيناً ليتخلى عنه أحياناً لصالح النص الشعري الذي يأتي به خليل.
كما يُفاجَأ القارئ نفسه بنهايات مُباغِتة ضمن السياق العام للنص الواحد، وبمفردات لا يمكن توقُّعها، حتى لتحسبها وكأنها نتوءات لصخور ملساء تُساير تدفُّقَ المعنى، ودَفْقَ المفردات إلى حين، لتتشاكل معها بغتة، وعلى حين غرة، وبشكل غير متوقع.
أيحق ليدي/ أن ترسم في رملك/ اعتقاد الشيطان/ وعلى ابتكار المعاني/ أمرن أصابع ألواني/ أهذب صرير الغياب/ بقلم شبيه/ ترامى على سواده/ سؤال الطوفان.
ربما يبتعد رائد خليل عن تسمية نصوصه بالشعرية اتقاء الادعاء الدارج بشعرية كل نص يُكتب، وتمايزاً عن غيره ممن استرخى على ناصية النص الشعري فأصابه الخبل فيما يكتب، ربما يهرب رائد خليل من ذلك قاصداً ومُتعمِّداً أن يكون هروبه هذا نحو الأمام، وربما يبغي من وراء ذلك ألا تخضع نصوصه للتشريح، والنقد الشعري الذي ينبني على مصطلحات جامدة، ولكن لا أجدني قابلاً بفكرة أن يفوته أن ساحة الأدب، وخاصة النقد، تكاد تخلو ممن انتسب طواعية إليها، لكنه جعل القطار يفوته قاصداً ذلك.
كم يدفعنا رائد خليل للتعاطف مع من يبدو معهن رقيقاً أمام اشتهاء العبور المؤلم لمحطاتهن، يغادرهُنَّ رغماً عنه فيترك لهن ولنا قصائده وأنفاس رحيلهنَّ الموجع.
يا أصدق الخيبات/ يا أنت/ قلائد البحر على مضض تحرسك/ والماء من تحتي يسير.. يسير/ ليتني (مت قبل هذا)/ يا أصدق الخيبات/ يا أنت.
وبعد..
رائد خليل في: “سيّجتُ دمعي ببكائك” وبما سبقها من تأملات ملونة.. سيّج للحرف ما يصون فضاءاته، وترك الأمداء مفتوحة أمامنا.
……………………………………………………………
كلمة دار نون 4 للنشر والطباعة والتوزيع
يعود فنان الكاريكاتور رائد خليل لتقطير روحه شعراً، يصوغ تراكمات مشاهد الحياة وحالاتها، ينبثق في صور تتشابك فيها علاقات الناس، وتتناقض لتبرز في النهاية خيط نور يلمحه القارئ بعد طول تأمل وامتداد نظر.. رائد خليل، كما في فنه الكاركاتوري، يهتم بالمفارقة البعيدة الساخرة.. وإذا كان، في رسومه، يميل إلى تجسيد القضايا العامة فهو في شعره يعكس تجارب حياة لها خضوصيتها، هي أقرب إلى عواطف الإنسان في تكثيفها ومعاناتها عذوبة الحياة ومرارة ظروفها أحياناً:
«ليتني ما أذنت لصوتي بالرحيل.. وما خاصرت مواعيد الخيال..» ولنمعن في هذه الجملة الشعرية التي تعكس على مرآتها وجهي الحياة ودراميتها:
«على مفارق الملاقاة.. تسطرين ملاحم محفوفة بالتيه..»
وكثيراً ما يعتمد على الانزياح الذي أخذ يستهوي كتَّاب اليوم، لكن لرائد أسلوبه وتفرَّده..
وبعد، تلك ومضة خاطفة مما في ديوانه الأخير “سيجت دمعي ببكائك” من نور يشع ويضيئ نبضاً بحياة الناس فرحاً وحزناً طرباً وآهات.. يذكر أن للشاعر ديوانين هما:
أنا مع حفظ الألقاب، وقفوا كي أراني.
ولا بد من الإشارة إلى أنّ دار نون 4 حظيت بجانب من مواهبه في تصميم معظم أغلفة كتبها..
………………………………………………………………
الصحفية سمر وعر..كتبت في مدونة وطن “eSyria“
الأربعاء 03 كانون الأول 2014
استطاع “رائد خليل” أن يحجز لنفسه مكاناً بين الكتّاب المبدعين، إضافة لكونه كاريكاتورياً متميزاً، حيث حلق بأسلوبه المتضمن العديد من صوره البيانية لعالمه الساحر عبر إصدار مجموعته الجديدة “سيجت دمعي ببكائك”.
مدونة وطن “eSyria” التقت “خليل” بتاريخ 30 تشرين الثاني 2014، وعن إصداره الجديد قال: «تتضمن مجموعتي الجديدة العديد من النصوص، ومنها: “طعنة ماء، هذيان، أصدق الخيبات، مسألة وقت، ظل المديح، ذاكرة الخلاص”، يقع إصداري في 104 صفحات من القطع الوسط، وهي من إصدار دار “نون4″، أصدرت العديد من الكتب الكاريكاتورية، إضافة إلى مجموعتين من التأملات الملونة بعنوان “قفوا كي أراني، أنا مع حفظ الألقاب”، قدم المجموعة الأولى الشاعر الفلسطيني “محمود السر ساوي”، والثانية الأديب والقاص “محمود الوهب”».
ومما قلت في بعض نصوصي بإصداري الجديد: «عزفت على وتريات الشغف المعجونة بألف غناء، والجواب على تلك المقامات النصية يكون نزولاً عند رغبة الضلوع، وجرعة زائدة من رعش الأصابع، أسنبل بيادر الوصف من معين المفردات، بوحاً لم يقل على صفحات بلا زاد، كلامي تقريظ للعصافير التي علمتني زقزقة الإسراء إلى أقصى الدهشة، واشتهاءات البروق المنسكب في خرائط أمكنتي، في نصوص الومضة أعيد للقصيدة أنفاسها».
عن العنوان وسبب تسميته يقول: «أنتقي كل ما هو بعيد عن العادي، أو هو العادي ألبسه ثوباً يأخذك إلى أقصى درجات الدهشة من تناقض واشتباك أضداد، وانزياح صور، اختزال وتخصيب، هي الومضة».
عنه قال الشاعر والروائي “نضال كرم”: «أن تتحدث عن “رائد خليل” في تأملاته الملونة؛ يعني أن تحضرك ألوانه وحروفه معاً، فهو بالقدر الذي أمتعنا بأسلوبه الفريد في لوحاته، استطاع وبيسر أن يجذب أرواحنا لقراءة تأملاته، وإن انتهى أحدهم إلى تشبيهه بأحد فلن يخرج إلا بنتيجة واحدة ،”رائد خليل” لا يمكن أن يشبه إلا “رائد خليل”، صنعته في مسك فرشاته مدّته بقدرة ملحوظة على تطويع الحروف في استنباط الجديد وخلق اللوحة داخل القصيدة، والعكس صحيح، وإن ابتعد عن تصنيف ما يكتبه تحت مسمّى الشعر فله كل الحق في ذلك كان له ما أراد ولنا ما شئنا أن نعتبره إشارة واضحة المعالم في تأملات “رائد خليل” يمكن اختصارها بالتعبير عن قدرته في القفز فوق المتوقع ليصنع للدهشة دهشة، وفي هذه خصوصية قلّما تنوجد عند غيره ممن اقترفوا التأمل وأبدعوا فيه».
* يذكر أن “رائد خليل” من مواليد مدينة “سلمية” 1973، له العديد من الإصدارات، ومنها: “ناجي العلي، الكلام عليكم، المسرح، الكاريكاتور والفكاهة، أقلام ووجوه، قفوا كي أراني”،” أنا مع حفظ الألقاب”.. رسام كاريكاتور شارك في العديد من المعارض الدولية، وهو عضو في العديد من لجان التحكيم الدولية، نال العديد من الجوائز وشهادات التقدير.
…………………………………..
20/12/2014
الوطن
سيَّجتُ دمعي ببكائك.. تأملات ملونة لـ«رائد خليل»
«رائد على محمل الوقت.. أتعبته أذرع الرمل.. مضرج بأحداق المدى وصناديق أغلقها ضجيج النفي في محنة التودد حيناً.. وزفّة الأسرار حينا..
هو الكحل يزنر عيون الذاكرة
يستجدي جفون غفوتي..
يتعاقب الصهيل المبحوح
كبئر أدلتْ بدلوها
خمائر الظن تعرف أعتاب بداوتي
أداري سنوات التيه
وأهدهد حروف المسكونين في
القلق..
كل أسفاري هي آخر الملذات..
ونرجس خفيف الوصف طار بلا
جناح..
رائد على محمل الوقت
مغرور كنكهة الحانات…
«هذي ليلتي»..
حمراء التمني
لأجلك..
سأرتكب الكأس.. كي تشربيني..!»
هذا نص لرائد خليل الشاعر والفنان من كتابه «سيَّجتُ دمعي ببكائك» الصادر مؤخراً عن دار نون للنشر في دمشق وفيه يمضي خليل في تأملاته في الشعر واللون والمساحات البيضاء التي يروق له أن يسكب فيها أشعاراً ولوحات ومفارقات كما يفعل في المساحات البيضاء عندما يشتغل على هاجسه الأساس/ الكاريكاتور/ الفن الذي برع به خليل مقدماً إضافات مهمة في هذا الفن ليحصد الجوائز الكثيرة ويكون محط احتفاء وتكريم أينما حل باجتهادات إبداعية استطاع من خلالها أن يلمع نجمه من وجع وألم ومن حضور وأمل.
رائد خليل في كتابه الجديد هذا يمارس هوايته في إبراز المفارقات عبر نصوص مشغولة بشغب حيناً وبنضوج حيناً آخر وذلك باعتماده كثيراً على اللوحة/ النص/ الومضة سريعة الأثر ليرسم من خلالها إشارات استفهام وتعجب في مفارقات الحياة والمجتمع والناس وذهنيات التعاطي مع الذات والمحيط، إذ يذهب إلى السياسة والثقافة والحب والمرأة بشكل غير مباشر ليترك للقارئ فسح التأمل والتلقي دون أن يصادر رأياً أو يمارس تسلط الكلمة/ النص/ اللوحة.
من أجواء الكتاب نقرأ الجهات، وهطول الوطن وذاكرة الخلاص والهذيان والاعترافات والخيبات والنزف والهدير والنوايا، ونسمع الهمس المديد في مواسم الصراخ ومن الكتاب نختار نصاً بعنوان «جهات..!»:
«في عزلة منسوجة باليقين..
خسائر عَلَتْ
حضور السكاكين..
من شدة غفلتنا
ركض الجرح
يتلقف خاصرتي..
طبع يردد
حماسة الذنوب..
يبيعون الوهج
وأراجيح التبصر
فيملأ وصفي
التقاء الساكنين..
وتجهش جهاتي
ببوصلة الضائعين..
هذا شأن محطّم
لا ريب فيه..
سكبوه بسرداب
المنفى
والمنسيين..!.»
******
قراءة في مجموعة (سيجت دمعي ببكائك) الشعرية الكاريكاتورية
العدد 2015-6-5-15329
هل من شاعر (جاد ومبدع) لا يخاف من لحظات كتابة القصيدة؟ وهل من قصيدة تكتب بلا وجع، وهلع؟ فالشعراء الكبار هم الذين يخافون من ولادة القصيدة، ومن لا يخاف فهو ليس بشاعر!
في لحظات التجلي والانعتاق ترعد السماء بغيومها، وتبرق المزن، وتحتج الرياح، إنها الحشود التي كانت محاصرة في مكانها لدى الشاعر تستيقظ في هذا العالم المشحون بالخوف، والتوتر، والتلعثم، فالشاعر رهن اعتمالاته النفسية، وارتعاش الأفق قبل غياب النور؟!
وقد يحكى عن التخدير الذي ينتاب التأثير في قصيدة (الهايكو) في كل اتساعات، ومدارات الأشكال التعبيرية، فهي تقوم أي المؤثرات (الهايكوية) حيث يكون، ويقوم على التركيز، والتكثيف، والاقتصاد في حاجة واستخدام اللغة – قصيدة (الومضة) تجربة لحالات المجتمع المشغول بهموم كثيرة! ورغم صغرها، وضآلة حجمها، لا تأخذ من وقت القارئ سوى القليل.
في المراحل الأخيرة، عانى الشعر والشعراء من ذلك السرد الخطابي، والترهل الإنشائي، حيث كانت اللعبة أن مل، وهرب الجمهور وابتعد الشعراء من حالات النفور الذي اعترى المشهد الشعري، فكان إن هلت بكامل أناقتها وكياستها، قصيدة (الومضة) حيث مسكت حبل الرجوع إلى العودة، حاملة معها الصفاء، والتركيز، ووسعت دائرة المتلقي، وشاعر (الومضة) جسور في التعامل مع الواقع اليومي المعيوش، وهذا الركام المرعب من الشعر المنظوم، والمطولات، عن فكرة شاردة مكثفة، وحميمة، والجميل في (الومضة) أنها تحتمل مجموعة من النصوص الشعرية القصيرة، ذات الدلالات والظلال المتعددة، لا يربطها سوى خيط الشعرية، وحضورها في مكانها المؤثر، وتحت عنوان كقرون الوعل الاستوائي، وبأشكال لا تقارب بعضها البعض أحياناً!
بين يدي المجموعة الثالثة لفنان الكاريكاتير والشاعر (الكاري شعري) المبدع رائد خليل في مجموعته التالية (سيجت دمعي ببكائك) فنان يجيد القنص (قناص لوحة وقانص قصيدة) وكل مجموعاته وضعها تحت مسمى (تأملات ملونة) والشاعر (خليل) قال على غلاف المجموعة ما معناه (لولا خميرة يديك، لما صار رغيف لوحتي جاهزاً! ندري أو لا ندري هل المخاطب في هذه (الومضة الروعة) الأم، أم العشيقة فكلاهما لوحة وقصيدة، يتجليان في سيرورة الحياة، فلا مناص، ولا خلاص من هذا الثنائي ولا بديل، سوى الإبداع والبذل بالروح؟!
الشغل الشعري (الومضة) بعنوان (سيجت دمعي ببكائك) دلالة هذا العنوان اللافت والملفت بأن دموع الشاعر أحاطها بدموع بكاء التي أحبته، وكيف تكون الدموع إن لم يكن هناك بكاء، وكيف يكون مطر بلا غيمة؟! هذه التراجيديا الساخنة، كيف ولّفها (رائد خليل) وأعطاها من لدنه فسحة من العواطف؟ والتقت الدموع لتشكلا جدول حب وعطاء، وتعانق الشعر والكاريكاتور لدى (رائد) فكان هذا المنتج الإبداعي، وكان فهرس العناوين يضم من ص 5 وحتى ص 47 تحت اسم (ومضات) من ص 48 وحتى ص 99 تحت عنوان واحد (قصاصات) لندخل حديقة الشاعر الفنان، وننعم بهذه المنمنمات، وهذه اللوحات التي أسميناها (الكاري شعري)؟!
/أتذكرين حين داعبنا فستق الليل / رأيت فرحاً يمتطي صهيل نشوتي. وتظاهرة تتسع لها الخدود / أعترف أنك تفوقت / على مساحة صوتي / وتغلبت على بحة الناي / ص 10 وكيف يكون التناغم بين هذه المفردات المفرطة في الدهشة والذهول، فستق الليل – الصهيل – التظاهرة – بحة الناي هذه المفارقات التي توقظ القارئ من كبوة طارئة، ليدخل في اتساعات الهواجس، واحتمال الذي لا يرى بالعين، كيف القلب يتلقفه بحالات لا تخطر على البال؟!
ومن مقطع بعنوان (غموض) يقول: /من أنسى العصفور يقظة التغريد / حتى فر من حرقة المعنى / رعش النص المكابر؟ / يا ناي أعرف أن منقار النبوءات / أغوى شهود السنابل / وأردى منجلي ذبولاً / ص 31 من يخاطب، ويعاتب خليل وبحرقة مدفونة في نغمات الناي الحزين، وهو العارف بمن أوصلنا إلى نسيان نصوصنا الجميلة، وينحني الزرع ميؤوساً من بيادره!
ومن حاكورة (قصاصات) بعض المحطات الشعرية، ها هو يقول: / منذور للاحتمال/ أتيت كرمى للأثر / ولأرتق ثوب اليقين / أتيت حاصداً قلق السنابل / وبيادر الأنين / ص 49 وشاعرنا تململ من تحت لحاف الحلم إلى يقظة النهارات، عاد كفارس ندهته العشيرة، واستجاب للنداء، هو الوطن المكابر، والمواسم، البيادر، هي سورية التي أعطت العالم سر الحضارات، يقول: / أنا أقرب إلى النبع من الماء / اسألي صفصاف الشط / وحناجر العناق / عن العطش المهجور / ما بين السطور / ص 54
ولأن شاعرنا الفنان يحب بلاده إلى حدود التماهي، وأعماق الانتماء الذي ينبض في كيان ألوان لوحته، والدم الراكض أبد الحياة في شرايين وجوده، يقول واللهفة، قد وصلت إلى حدود اللهفة: / كلما فكت السماء أزرار بردها / دهمني نداء الشاعر / (يا ثلج قد ذكرتني أمي) / ص 77 أو ليست هذه اللوحة / القصيدة، مدعاة وبدون مجاملة إلى البكاء والتنهد؟! يقول: /الومضة حين تعشش / في عناقيد أفكاري / يندلع محراب الندى / وتشب الأطياف في مداري! / ص 88 وآخر الومضات في مجموعته يقول: /إياك أن ترسمي دهشة اللقاء / فثمة ممحاة حاقدة / أباحت تغيير لمواعيد / ص 99
وليس أخيراً، لكنني محكوم باللا أدري، وكيف تأخذ طريقها إلى القارئ في هدوء وليس كالذي يسبق العاصفة، وإنما كنبع فوار يدغدغ بمراهقة ناضجة، خطوات المسيل الرائح صوب البساتين، والبراري والعطاش والـ؟! فتلك هي قصيدة (الومضة) ومن معانيها (الدهشة والذهول والانبهار والصدام الجميل).
سيجت دمعي ببكائك- رائد خليل- الغلاف: الفنان رائد خليل- إصدارات: نون 2014
خضر عكاري
khudaralakari@hotmail.com
****************
قراءات نقدية
قراءة في مجموعة رائد خليل مع حفظ ألقابه المتألقة
سمر محفوض
بفارق من دهشة العبور بين إجفاله الخط الناقد ورهافة الحد المسنون للحرف يمرر رائد خليل مسوغات مشاعره وأفكاره في فضاء حيوات لفظية وبمزيد من الأسئلة المعلقة التي تنطوي عليها أحداثه حيث المد والجذر يتناوبان في عزلتهما على ايقاع الحب والموت والولادة والانتظار في صمت من تملكه الذهول لدخوله عالما يتشكل من أثر انعكاس لحظة لم يكن لها ان تدوم سوى رفه جفن ولعل مجموعته (أنا مع حفظ الألقاب) محاولة في سياق البحث عن الحقيقة العميقة المستقرة في يقين ذاته / كعبور الشهقة.. / تمتد أنفاس الشرود.. / واحظى بباقة لهاث.. / يبحث في اللاشيء عن زمن أخضر وحنين ماطر يحمل الكتابة أسرار اللحظة ويغترف بنقصان العالم الأبدي / / على حافة المحطة .. / برعمت مسامات حقيبتي.. / كان الصفير معدا للوحشة.. / لم يكن له أن ينتسب إلى أي جهة وإنما ينتمي إلى أبدية الترقب / اردد الضوء / بلا نوايا / ومسميات.. / الحب في هذا العصر الملتبس تجربة فريدة ورائد يبحث عن توق يؤرخ سيرته الشخصية أحيانا يبدو وكأنه يخشى الكشف وغالبا يحتضن الصورة ويتأبط وعيا يقينيا ببراءة الحب / “ابق حيث أنت”.. / خطواتي تعوم ببراءة / في أسفل الحقيبة.. / ظلي المنتشي يمسك / بساق الحنين..؟ / “ابق حيث أنت”.. / في _أنا مع حفظ الألقاب_يخط رائد شكل ما من سيرة مواربة مستخدما عبارات مألوفة لكنه يغزلها من وقائع قابلة للجدل فتتحول إلى مصطلح متعدد الدلالات يحمله هوامش مرتبطة بالسياق العام ويعمل على تجريد الوقائع من أبعادها لا من تفاصيلها بذات الوقت / المرايا تنكسر.. / ولا تترك سوى ذكرى نحيفة.. / كيف استورد نبضاً متوالداً / لنشيد ماعاد يحفظني..؟ / يسبح على نحو حر للخلاص من قلقه وإذا كان إلحاح التأملات لدى رائد خليل وخلافا للسير الذاتية في (أنا مع حفظ الألقاب) التي يوحي به العنوان لم يعطي الشاعر متسعا للحدث في اضطراب المكان لديه / أصابعي ..تحتكم للوتر.. / في جفلة المقامات..! / قد يعيدنا الموقف إلى العلاقة بين المبدع والمتلقي التي لا بد من إعدادها بكثير من الرهافة الأنيقة / لست معكِ..لكنني ضدي.. / اللمسة الجمالية واضحة المعالم والتداخل قائم ومؤكد ينقلنا من أفق إلى أفق أقرب صدقا مع النفس .. / شجرتك عالية.. / وأنا.. / لا أجيد.. / سوى / التقاط أنفاسي..! / لست أعرف إن كان رائد يتعامل مع النص بوصفه غواية خارجة عن التصنيفات ومنطقة خاصة به للتجلي والكشف والإغراق / قبل إزاحة الستار / أبحث عن مكان لظلي.. / ريثما يرتب الضوء أسراره.. / ويكتمل الحضور..! /
ليس ضد العزلة لكنه الانحياز الى بنيات العلاقات اللغوية والنزوع الاليف نحو ذاته الشعرية / مهلكِ.. / مهلكِ.. / دقيقة / صوت.. / فأنا أسير / على عكازين / من صمت..! /
نصوصه في أنوثة اللفظ تؤسس سيرة المعنى للدهشة أولا وللاختبار الواعي بخراب يتجهز ثانيا / من أعوام.. / أقرؤكِ / (ملخص مانشر..) / ولم أنتهِ.. / إن النظر إلى صورة شعرية محددة أو مجموع صور في نصوص رائد خليل النثرية سوف يأخذك إلى شيء مختلف تماما وهنا مركز الحساسية لدية فنحن لايمكن أن نكون يقينا ثابتا / تجرجركِ الريحُ / شمال الرغبة / جنوب الرحيل / ومازلتِ تدخرين الوقت / في حاكورة الانتظار..! / فنحن لانجد أنفسنا أمام نص مألوف ومتوقع وليس على ملامح النص المجازي فقط بل اعتمد في بعض مفاصله التداعي الحر للرؤى حيث تتدفق الصور بسلاسة الوعي الإبداعي في محاولة لتفسير واستيعاب المفردة بغير ما اقسار او انحياز او تضاد ومغالاة في تحميل النص أكثر مما يحتمل ودون اللجوء إلى تأويلات تخيلية / عندما أثمر موسم الهرب / قطفت ثلثي رجولتي /
يتجلى النص النثري عند رائد بكثير من البناء الضمني المتصالح مع مكنوناته لان هدف المفردة وشرفها ومعنى وجودها وغاية ذلك الوجود أنها سلاح ونور ووسيلة إنقاذ وهو أيضا انحيازها للحق وللفرد الإنسان نواة المجتمع خليته الحية / أنتِ وطني الذي / التصق بي منذ طفولتي.. / وأنا ..لن ابحث عن بديل..! / يغمرك جنون الارتباك لكن لا يجاوبك الصدى الشعر عنده نظرة شاملة الى الحياة والكون “الجمال هو التجلي الحسي للفكر” حسب مفهوم هيغل والإبداع عموما هو ترجمة لناموس الأشياء بجعل المعنى عاشقا لكشف أستار الغفلة ليبدو التجلي في أعلى حالاته لأنه يعيد تشكيل فهم وجوده المطمئن وإعادة ترتيب عناصره في لحظة التحول التي لا تتوقف ولا تستقر بل تقدم بداهتها / الشعر..يريد.. / إسقاط الانتظار.. / أرجوكِ.. / لا تتأخري..ِ / في الديوان موضوع القراءة مجموعة احتمالات جاءت ضمن صور قابلة لتحقيق استجابة بين اللحظة التحريضية التي تولد الجملة الشعرية مع مايقابلها من رؤى مختزنة في عمق الشاعر / حين تسترجل الساعة.. / يصير الوقت بلا يقين..! / في تعرية الدلالة اللفظية وكل ما يمس قامة اللحظة الإبداعية وإلحاحها للخروج من القالب إلى حرية الأبعاد كشفا لمضامين أعمق / ناموا..قبل أن يجرجرني / طيش التبدد.. / فأنا ما عدت أطيق / مواكب الظلام..! /
باحثا في الوعي المكثف يفاجئك بابتكار الضوء الخفي يستعيد عافية النص في بناء نثري طليق لاختراق السائد رافضاً أن يبق في الظل / لكتاب المطر / غلاف جويًّ.. / يضمه.. / ويمطرني.. / تصدمك المفردات البسيطة المتناسقة التي تؤسس مرتكزات دلالية ثابتة بغية الوصول إلى معناً تخيلاً يعتمد اسلوبا واضحاً ومبرمجاً بطريقة جميلة يقيم مزاوجة بين الجواني والبرانى رغم محاولات المواربة التي نجح فيها أحيانا واخفق أحيانا يبقى أن رائد خليل أجاد استخدام صورا بسيطة وعميقة الجاذبية شبيهة بزفرة عميقة ومع ذلك يبدو من الصعب بلوغ تلك المنطقة التي يجتازها المرء بغزارة زبد ما أن تمسك بسرابه حتى تبدو وحيدا من جديد وحيد وممتلئ بالدهشة حيث لا يمكن سوى للحب أن يورق وللإبداع ان يتجلى بلغة متمكنة وقادرة على إيصال المحمول
Director| Raed Khalil
موقع رسام الكاريكاتور السوري رائد خليل | جميع الحقوق محفوظة