الرموز الوطنية للشعوب.. (العم سام) نموذجاً

188

الرموز الوطنية للشعوب.. (العم سام) نموذجاً

بات معلوماً ذلك الدور المنوط بشخصيات معينة سمت إلى مستوى الدلالة على أوطان اتخذتها رموزاً، حتى أضحى مجرد ذكرها يعكس التبادر باتجاه شعوب ودول، ولا أدل على ذلك من شخصية (العم سام) بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، أو (جون بُل) بالنسبة لإنكلترا، أو حتى (الدب القطبي) بالنسبة لروسيا.. وغيرهم. وتجدر الإشارة إلى أن عوامل تاريخية عديدة، كان لها عظيم الأثر في نيل الشخصيات درجتها السامية، إضافة إلى ما لها من طبيعة فرضت ذاتها. لكن هذه العوامل إذ ترسم هالة من القيمة والدلالة الرمزية عليها، فهي في الوقت نفسه تستدعي مزيداً من تسليط الضوء على أهمية فن الكاريكاتور وتأثيره في حياة الأمم، لأن هذه الرموز شخصيات كاريكاتورية.

أدى فن الكاريكاتور وظيفة مهمة في الحقلين الاجتماعي والسياسي مع بزوغ القرن السابع عشر، حين رفلت أوربا بأسماء طبعت في ذاكرة هذا الفن، من مثل ويليام هوغارت وجيمس غيلاري وتوماس رولاندسون وغيرهم. وقد انصب عمل الكثير منهم باتجاه انتقاد السياسات المتبعة في عصرهم بطرائق بالغة القسوة، الأمر الذي انعكس على فن الكاريكاتور بمزيد من الانتشار والازدهار، حتى وصل إلى حد اتخاذه من أهم الأساليب لتوجيه الرأي العام، والبروباغندا. من هنا، فإن عدداً من الرموز الوطنية، كانت عند ولادتها الأولى تمثل شكلاً من أشكال الدعاية السياسية التي تخدم مصالح الدول التي تمثل. وبما أن المجال لا يتسع للإطناب، سيتم الاكتفاء بالإشارة إلى رمز وطني شهير هو (العم سام). لكن قبل الدخول في كيفية ولادة هذه الشخصية، والأسباب التي منحتها الرمزية، قد يجدر بنا الإلماح إلى طبيعة الشخصيات بعمومها، التي تفاعلت مع الظروف والعوامل التاريخية، مانحة إياها بوساطة فن الكاريكاتور كل الأهمية.

فمن خلال نظرة سريعة إليها، يبدو انقسام الرموز الوطنية بطريقة إجمالية إلى أقسام ثلاثة: منها ما له امتداد تاريخي، ديني وجغرافي، من مثل: أثينا بالنسبة لليونان، والأم هند كما للهند، وغيرهما. ومنها ما يتميز بصدى واقعي، صودف اتخاذها رمزاً، من مثل العم سام بالنسبة للولايات المتحدة. وأخيراً، شخصيات مبتدعة من خيال الكاتب أو الفنان، كجون بُل بالنسبة لإنكلترا.

ظهر في الولايات المتحدة، من نهايات القرن الثامن عشر وصولاً إلى بدايات القرن التاسع عشر، رمز وطني أطلق عليه اسم (الأخ جوناثان). وعلى الرغم من إرجاع بعضهم أصل الشخصية إلى (جوناثان ترومبل) حاكم ولاية كونتكت، فهناك ميل كبير لدى كثير من الباحثين لاعتبار هذه الشخصية خيالية ومبتدعة. لكن هذا لا يلغي المدى الذي لعبته بتمثيل الروح الوطنية الأمريكية في ذلك الحين، وهو ما كان يظهر فيما يردده جورج واشنطن على الدوام (من الواجب علينا استشارة الأخ جوناثان). ومع ظهور شخصية العم سام ابتدأ نجم الأخ جوناثان بالأفول. وتوضح ملابس الشخصيتين أن الأخ جوناثان قد ذاب بطريقة أو بأخرى بالعم سام، تاركاً الكثير من مميزاته لتصبغ شخصية الأخير. ومن المناسب الإشارة أيضاً إلى رمز وطني أمريكي آخر هو (كولومبيا). وقد اتخذ هذا الرمز بعداً أنثوياً مكملاً للعم سام، كما هو الحال بين الرمز البريطاني الأنثوي (بريطانية) و(جون بُل).

يرجع الفضل في ابتداع الصورة الشعبية للعم سام، إلى الجهد الذي بذله الفنان الأمريكي من أصل ألماني توماس ناست، إذ عمد الفنان خصوصاً فيما بعد الحرب الأهلية الأمريكية، إلى توظيف اللحية لدى إبراهام لينكولن وإلصاقها مشذبة في ذلك الرمز، إضافة إلى استلهامه بعض المميزات من الأخ جوناثان على ما أسلفنا، ليخرج (العم سام) بقسماته الجادة، وعناصر حلته المستعارة من العلم الأمريكي، كرمز وطني للولايات المتحدة.

والواقع أن البحث في المصدر الذي استُوحي منه (العم سام)، يحيل إلى مفارقة لا تخلو من دعابة، وتتمحور هذه المفارقة حول وكيل قصابة أمريكي اسمه صموئيل ويلسون، كان يمد الجيش الأمريكي باللحوم في الحرب عام 1812. واللافت في الموضوع أنه كان يرسل اللحوم في براميل ختمت بحرفي ( U S ) باختصار دالٍّ على أنها ملكية حكومية. لكن باعتبار سن ويلسن ومركزه الاجتماعي كان يطلق عليه لقب (العم سام) ( Uncle Sam )، وربطاً للحرفين على براميل اللحوم، بأول حرفين في اسم الرجل، أخذ الجنود يطلقون مزاحاً اسم (العم سام) على الملكيات الحكومية، لتجد هذه الدعابة دربها باتجاه إضفاء تجسيد روح المواطنية على هذه الشخصية. وهناك آراء أخرى مختلفة حول مصدر شخصية (العم سام)، لكن اتخاذ الكونغرس الأمريكي في 15 أيلول من عام 1961، قراراً بتكريم الرجل، وإحياء ذكراه، قد يؤيد هذا الإرجاع ويضعف ما سواه.

كان للعم سام بالغ الأثر في الدعاية السياسية، وتعبئة الجماهير خلال الحرب العالمية الأولى، إذ ظهر بملصق معلناً: (أريدك لجيش الولايات المتحدة)، مستدعياً من خلال تركيزه البصري، وحركة سبابته، ولهجته الصارمة تلك المركزية التي يشغلها في البعد الرمزي للولايات المتحدة من ناحية، وملهباً في ذات المتلقي الحس الوطني وروح المبادرة من ناحية أخرى. رَسَمَ هذا الملصق الفنان الأمريكي جيمس مونتغمري فلاغ عام 1917، وقد عمد الفنان فلاغ إلى إسقاط ملامحه الشخصية على وجه (العم سام)، ويعد هذا الملصق التمثيلي للعم سام من أشهر الرسوم التي تناولته على الإطلاق.

واليوم، مع بداهة الدلالة بين العم سام والولايات المتحدة، وبقية الرموز الأخرى والشعوب التي تتبناها، لا يمكن إلا أن نوجه النظر إلى فن الكاريكاتور بتقدير لما قدمه ويقدمه من إبداعات تنعكس بجمالياتها وآثارها على المجتمعات الإنسانية.

نزار عثمان – (بيروت)

23/5/2007


Director| Raed Khalil
موقع الكاريكاتور السوري الدولي
رسام الكاريكاتور السوري رائد خليل
| جميع الحقوق محفوظة|

 



More..
Latest news