رائد خليل يجيب: لماذا أنا رسام الفقراء؟!
رائد خليل يجيب: لماذا أنا رسام الفقراء؟
رائد خليل يبهرنا دوما بنشاطه، وإبداعه، وألوانه، ويوصف بحاصد الجوائز، هو فنان بكل ما تعنيه الكلمة، يرسم لوحاته بعناية كبيرة، فتشعر أن روحه تحلق بين ألوانها، مطلقا العنان لخياله الوضاء لتجد نفسك أمام لوحة متكاملة، تحكي قصصا جميلة تأخذك إلى حيث الخيال، إضافة إلى أنه شاعر متميز يسطر كلماته بحس عال، وكأن كلماته تتشابك مع موسيقا ساحرة، فتغيب بين حروفها وألحانها، لتجد نفسك ترغب في أن تقرأ المزيد..
cartoon2013
بداية لفتني تسميتك برسام الفقراء هل تشرح لنا السبب؟
لو قرأنا المقدمات التاريخية ونظرياتها.. لأكدنا جوهر المشكلة… ولذلك قد تأتي النتائج حصيلة مأزومة ونقطة من أول السطر.. إذن هي قول يجانب الحقيقة.. بسبب أننا لا نستطيع التحدث باسمها – أي الحقيقة_ وكما يقول نيتشه:» من ينظر إلى الناس كقطيع ثم يهرب منهم، فإنهم سيدركونه بالتأكيد ويضربونه بقرونهم»
وما أريد قوله إن استدارة الفنان تحديدا في ظرف ما للطبقة التي عايشها وعاش فيها.. هي خيانة بدرجة عالية… وهنا أيضاً أستعير نظرية نيتشه التي يتحدث فيها عن بقاء المرء وفياً لقضية ما.. وذلك كردّة فعل على خصومه الذين لا يغيرون تفاهتهم.
أما التسمية.. فأعتقد أنها عزف على مقامات الصَبا.. وعدم تخلٍ عن البيئة المكلومة… وردّ اعتبار لطبقة أغلبيتها تعاني.. فالقضية مبدأ… ولا ترتبط بجغرافية.. إذن الحالة عامة، ولكن لا أحد يستطيع أن يشم رائحة التراب المبلل بالمطر إلا من عاش فوق تلك الأرض ولا مس ترابها..
الدليل ناصع.. وينعكس على تلك المساحة المتروكة للقارئ… واللوحة هنا مرآة تلملم الدموع وتعيد بناء الابتسامة بطريقة ساخرة… في رحلة مواجهة مع التهميش البغيض. وأنا، أفتخر بهذه التسمية… وأشعر بدلالتها وأبعادها… وكيفية الحفاظ عليها… هي قيمة معنوية كبيرة… لا تقدر بثمن.
archive2010
كيف تقرأ علاقة الصحافة بفن الكاريكاتير؟
القراءة تبدأ من العين الثالثة لالتقاط ما هو بعيد عن المتداول.. وربما يكون السؤال عكسياً.. هل وجد الكاريكاتور نفسه في الصحافة..؟ إذن الموضوع مرهون بواقع العمل المهني المرتبط أساساً بجغرافية الصحافة ومصادرها.. والموضوع إشكالي.. وهو سير على أشواك في طريق يشوبه القلق الدائم.. وما أود قوله: أن الكاريكاتور في أغلب الصحف العربية يعاني حشره في زاوية ضيقة على الرغم من تخصيص زوايا له في بعض الصحف.. إلا أن بعض أباطرة التحرير يعدونه كمالياً وهامشياً ونوعاً من البرستيج أسوة بصحف غربية تهتم بهذا الفن وتعطيه كامل حقوقه…
الآن وجد الكاريكاتور نفسه في مواقع التواصل بعد هذا التحول الكبير إلى عصر التقنية والانتشار الواسع (فيس بوك وغيره)..
في بلادنا.. مايزال يعاني الكاريكاتور كما ذكرت ألماً في مفاصله كحالة طبيعية تعكس المنحدرات والمطبّات الذاتية والجماعية.
حصلت على جائزة الصحافة العربية عن فئة الكاريكاتور، وكان هناك عدد كبير من المتنافسين، كيف تقرأ هذه التجربة؟
الجوائز كمفهوم.. هي حافز على تقديم الممكن.. وليس غاية… هي هدف آني مؤقت.. ولكن تصب عملياً في أرشيف الذاكرة والسيرة الفنية… وكأن الواقع يؤكد (ديكارتية) الحالة في إيجاد الذات بغضّ النظر عن منتقدي الجوائز وأصحابها… هي فعل يدفع الشخص إلى (الإشراق الذهني) كحافز وتأمل لمفهوم (الكوجيتو).
جائزة الصحافة مهمة.. وتضاف إلى جوائزي العالمية التي تجاوزت التسعين.. وأكرر أنها تزين سيرة الشخص الفنية وتزركش تاريخه بقلادات وكلمات شكر على منجز إبداعي.!
فنان كاريكاتور، كاتب، شاعر، أين تجد نفسك؟
كل عمل إبداعي هو تحليق في فضاء المخيلة، وتطويع للمفردات الحسيّة المتناثرة فوق سطوح المعرفة.
فالمعارف الفنية قد أنتجت التميز والأسلوب بعد صراع حقيقي مع الذات للحفاظ على الثوابت بمختلف ألوانها. والتجريب، يحثُّ على المغامرة وبناء عوالم العدول عن السائد، ويدعو إلى التمرُّد على النمطية المملّة والتطابق الشكلي وصولاً إلى التمايز على مبدأ « إبداع أفضل مما كان»، على حد تعبير أبي نواس.
إذن، الكتابة بأنواعها هي تجريب ودلالات ميتافيزيقية يحلّق بها الشخص إلى أقصى درجات الومضة الممكنة.. وفي الديوانين الصادرين لي حاولت أن أقول إن الشعر هو تأملات ملونة.. وبرهان على فصاحة الصباح ومفردات النهار… وعزف متفرد على وتريات الشغف المعجونة بألف غناء.. والكتابة هي رغبة الضلوع.. وجرعة زائدة من رعش الأصابع… كلام منسوج من معين المفردات… وهي بوح لم يقل على صفحات المناداة فقط… وفي الكتابة أيضاً.. تقريظ للعصافير التي علمتني زقزقة الإسراء إلى أقصى الدهشة… واشتهاءات البروق المنسكب في خرائط أمكنتي…!
برأيك إلى أي حد فن الكاريكاتور قادر على التعبير عن وجع الشارع، وهموم المواطن؟
قبل الحديث عن قصة التعبير، لابد من الإشارة إلى قضية التفاعل.. طبعاً الكاريكاتور لغة تخاطب الكل بتفاصيل شجاعة.. فن متخم بالجهات وشاهد على بطولات شتى.. هو عين يلتقط البعيد والقريب.. ويفتح نوافذ مغلقة كثيرة في أفق مشبع بالوصول إلى المبتغى.. يختصر، يناور ويناجي… وفي النهاية يناغي الأضداد في اشتباك لا ينتهي… على هيئة قلق.. « كأنّ الريح تحته».. هذا الكلام عن الكاريكاتور لا عن المشتغلين به.. والمسألة نسبية جداً.
والتعبير، يكمن في تلقف المشاهد وترجمتها بسخرية مرة، لا بل يساهم في تحريض عقل القارئ تجاه العمل الإبداعي، ويثير مشاعره ويساهم في تكوين وعيه، وهو بذلك يمتلك القدرة على معاصرة المجتمعات ومواكبة تطوراتها.
ولكن لا يمكن أن يصل الوعي النقدي إلى أقصى درجاته، والقراءة الصحيحة للفنون والمشاركة الفعالة فيها تساهمان على نحو أو آخر في معرفة بعض تفاصيل الأمور، وهذا ليس استخفافاً بمقدرة القارئ على الاندماج مع الحالات المرسومة والمكتوبة.
إن الحديث في مسألة الفن وإنتاجه للمرئي يطول، وما يهمّنا في واقع الأمر، هو التذوق الفني، ومحاولة جادة لطرح نظرية «التوجّه المنتِج»، بحسب رأي أحد الفلاسفة.
هل تعتقد أن فن الكاريكاتور قد يفقد شيئاً من مكانته بحكم التطور التكنولوجي والفضائيات؟
للكاريكاتور المطبوع ورقياً سلطان يشرعن رائحة الحبر.. مملكة مسيّجة بتلاوين ملموسة وواقعية تشبه رغيف الخبر المقمّر في تنور الكلمات والمكان… أما في المجالات الأخرى، كالتلفزيون وغيره.. فقد أضافت له رونقاً جديداً وانتشاراً أوسع.. وربما لباساً مرئياً يضفي كل جميل على طلته.
هل الشارع السوري حاضن لفن الكاريكاتور؟
سؤال من جملة الأسئلة التي نطرحها على أنفسنا لمعرفة ما إذا كان الفن يُنتج الوعي النقدي للواقع المرئي، ويجعل القارئ مشاركاً فعالاً في تفاصيل اللغة الفنية الواقعية.
طبعاً لا بدّ من القول: إن حاجتنا الملحة لمعرفة الأشياء وتفسيرها واستجلاء وجودها، يدفعنا إلى سبر أغوار الوجود وماهيته، وهو ما يدفعنا أيضاً لتقييم الحالات ونقدها.
ولعلّ ما يُحدثه الفن عموماً من إنتاج جديد للوعي الاجتماعي الذي يهدف أساساً إلى تغيير المحيط وتوجهه الخلاق، يجعلنا نعيش متأملين إلى أقصى حدود التأمل في هذا العالم الذي يشكّل تياراً سرمدياً، على حد تعبير الفيلسوف اليوناني «هيراقليطس».
ما الإحباطات والمشاكل التي يواجهها فنان الكاريكاتور؟
لن أدخل في كلام مكرر.. ولكن سأستحدث في قضية هامة هي التجريب الفني… ربما البعض لا يعيرها اهتماماً.. ولكنها هي الأساس وهي مشكلة المشاكل… كي لا نقع في زمن التبصير وأين هو مستقبل هذا الفن… ومما لا ريب فيه، أن بعض أعمال الفنانين تحفل بحسّها التجريبي والابتكاري بطرح الممكن والخروج عن المألوف في مقامات بصرية متناسلة من نبضات التفكير، وباستعانة واضحة بالحواس والطاقة.
إذاً، نطرح سؤالا آخر: هل يشكّل التجريب الفني خطورة وإشكالية، كما يقول بعضهم؟ وهل هو هدم لثوابت الأبنية البصرية؟
سؤال برسم البحث والتقصي!
Director| Raed Khalil
موقع الكاريكاتور السوري الدولي
رسام الكاريكاتور السوري رائد خليل
| جميع الحقوق محفوظة|