متى يدير لنا حنظلة وجهه…؟!
متى يدير لنا حنظلة وجهه…؟!
والأحرى لمن كان حنظلة يوجه تلك الرسائل، هذه العيون التي لا ترف وإن كان المخرز حلمتها التي أُلقمت إياها منذ لحظة أن خرج الضوء منها للعالم؟!.
ظهْر حنظلة الأبدي في وجه العرب والذي عرّف نفسه لناجي، إنّه عربي وفقط، في رسالته” للقارئ العربي”.
ظهْر حنظلة قطع مع كل السياق العربي وتأسيس لسياق لا يعترف ببراغماتية المقدس الذي نخره العلم المستقر، فإذ هو جهل مستمر كما يقول النفري.
هو لا يسخر عندما يترك لنا ظهره كحائط وكأنّه يقول لنا: من ارتضى الحدود، لن يؤسفه غياب وجهي عنه بل يتهكم، وهو إذ يتهكم يهدم ويبني ويتجاوز السخرية التي تعمل على إجهاض الحمل/ الاحتقان/ الكبت/ الغضب وتحول ما يجب أن يكون لهزل تافه، لا يترك إلا رمل الضحك، في حين حنظلة ناجي العلي من خلال ثيمة ظهْره، يعبّر عن التطلع الدائم إلى الآتي الذي يستشفه سواء بتعريته للواقع أو بالخطوة التي يبدأ بها الألف ميل، التهكم لديه نقل الكاريكاتير العربي من خط أفقي نسقي إلى خط عامودي، يقطع من الخطاب السائد ويفضح كما الطفل في قصة ثياب الحاكم/ الواقع العربي، العري الملازم لنا.
به انتقل الكاريكاتير من حالة تفسيرية إلى حالة تأويلية، من القراءة العاطفية إلى القراءة النقدية ومن التعريف بأن الكاريكاتير هو تضخيم وتشويه للنقائص إلى أن الكاريكاتير حالة نقدية فكرية تأملية تخترق الحجب وتسقط الأقنعة في الحفلة التنكرية لما يمكن تسميته بالنضال العربي، وهكذا صار حنظلة رمزاً للجمال وحجارته وقوداً لانتفاضة رماها العرب في الجب، فأخوة يوسف يتناسلون ولم تنفع صرخة محمود درويش بأن أخوته يكرهونه.
يدير حنظلة لنا ظهْره لأنه يعرف تماماً، أن خطابه، نرفض أن نتعلم أبجديته، لذلك يوجهه لجيل سيأتي، متى وكيف!؟.
لولا يد الغدر التي يمتلكها الواقع العربي كيد ثالثة، ليست كتشوه ولا كتضخيم كاريكاتوري بل ميزة ووصمة ينتجها التراجع في كينونة الكائن الذي اعتاد أن يكون قماماً، يتسول تحرير وطنه من العدو، بعدو آخر أو كما قال المتنبي:
وسوى الروم خلف ظهرك روم فعلى أي جانبيك تميل
لكان رأى الانتفاضة التي تولد من رحم حجارة التهكم لا من رمل السخرية.
ناجي العلي الذي ضاقت عليه البلاد العربية حتى صارت كالمشنقة ودفعته لغربة في بلد، وعد الصهاينة بفلسطين، ليسقط برصاصة هناك وليس هنا على تلك الأرض التي انتسب إليها حنظلة، فيترك لنا حنظلة كما قال في هويته: إنّه دون أب، وأمه النكبة وظهْره الأبدي في وجهنا.
سيبقى ظهْره ليس لأن الحبر قد ثبته على الورق ومضى من يملك القدرة على أن يجعله يستدير، بل لأن الواقع لم يتغير وعندما يحين الوقت، سيستدير من تلقاء نفسه، سيتحرك الرسم في اللوحات التي تجاوزت الأربعين ألف لوحة لحنظلة، ساعتها سنرى وجهه وكل منا سيقول هذا الولد يشبه طفولتي، طفولتي التي لا تساوم على البراءة وقول الحق، فالقلم الذي يحبّر ويصحف صرخة النضال العربي سيكسره وجه حنظلة يوماً.
باسم سليمان|| جريدة البعث السورية
Director| Raed Khalil
موقع الكاريكاتور السوري الدولي
رسام الكاريكاتور السوري رائد خليل
| جميع الحقوق محفوظة|