التشابه والتخاطر والانتحال في فن الكاريكاتير
علي الساعدي/ العراق
يبقى ايجاد معايير واضحة ومحددة لفرز التشابه عن الانتحال أو التخاطر هو الفيصل في اختيار المفردة المناسبة، فليس الخلل في معنى اللفظة بقدر ما هو في ايجاد الصيغة الحاسمة لتلك المعايير. وهنا يطرح السؤال الأهم الذي طالما راود مخيلة فناني الكاريكاتير خاصة وبقية الفنون الانسانية بصورة عامة. ماهي حدود التشابه والانتحال وما هو التخاطر؟. فالتشابه هو ذلك التماثل الذي يؤدي الى أعادة انتاج عمل ما بشكل جديد مشابه أو مطابق للأصل، وبأختلاف في المهارةمن حيث درجة التقليد. أما معنى الانتحال بشكله العام: فهو نسبة الشيء الى من لا يملكه أو لم يكن سببا في وضعه أو انشائه أوكتابته من غير أن يكون المنسوب له سببا في هذه النسبة. أماالتخاطر فهو أن يقوم شخصين في مكان واحد أو مكانين منفصلين وبوقت واحد أو بأوقات متفاوتة بانتاج الصور أو الأفكار أو المعاني حول موضوع ما بطريقة متقاربة حد التطابق أحيانا. وأذا ما علمنا أن العقل البشري عموما هو يتقارب من حيث مستوى الادراك والتفكيروأن تفاوت مستوياته أنما يكون في مراحل معينة تبعا لما يتلقاه الفرد من مكتسبات علمية ومتبنيات فكرية يكون للبيئة والمحيط دورا كبيرا في ابرازها وتحولها من بيانات كامنة الى قدرات ظاهرة متمثلة بالأبداع. فحريا بنا التسليم في كون أن المفردات والأدواة التي تثير جانب الألهام لدى فنان ما وتشكل موردا حيويا لأبداعه لابد أن تكون هي ذاتها التي يعرفها كل البشر (نظيره في الخلق, الحيوان, النبات, الجماد) وما الى ذلك من عناصر شاخصة في بيئة محددة تشكل بمجملها مستوعبات خزينه المعرفي وبالتالي حتمية خضوعها للتكرار والتشابه بل وحتى التماثل أيظا. ولكن بأختلاف نسبي في مستويات ادراكها من شخص الى آخر فمنهم من يعدها من مسلمات ومعطيات الوجود وخالقه وواقع حال لابد منه وآخر يرى فيها ضرورة حتمية للتوقف ومدعاة للتأمل والأستفهام عن كنهها ومكنوناتها وفتيلا لشحذ الأفكار والصور والمعاني وصولاً الى التكوين الجمالي المفعم برائحة الإبداع الفني بصرف النظر عن ماهية ذلك الفن أو نمطه. فالحياة لا يعبر عنها من خلال الأستنساخ المتماثل ولابد من تسخير الخيال والمهارة الابداعية في صياغة الأفكاروالصورالأنطباعية عنها وأكسائها بجلباب جديد وصولاً الى معانٍ جديدة وهذا هو الفن بمعناه العام. وهنا أودُ الإشارة الى الوازع الحقيقي الذي حدا بي للخوض في هذا الموضوع والمتمثل في الملابسات التي قد رافقت ظروف إعدادي لمسابقة النمسا الدولية ـ 2008 فعقب اتمامي الأسكيجات الخاصة بالأعمال المطلوبة والبالغة خمسة أعمال علمت لاحقا بوجود
موقع ألكتروني للمسابقة تعرض فيه مجمل الأعمال المشاركة وحسب تاريخ وصولها.
ولدى أطلاعي على بعض الصفحات التي تضم أعمال رسامين من دول مختلفة وجدت تشابها عجيبا من حيث الفكرة والمضمون لثلاثة أعمال من أصل خمسة كنت قد انتهيت من اعداد مراحلها الأولية. فشرعت الى الغاء تلك الأعمال المجهضة وابدالها بأخرى للمشاركة تسليما مني بمدأ الأسبقية الفنية وبعد اعلان النتائج النهائية للمسابقة تم اختيار بعض الأعمال لتكون من الأعمال المختارة في كاتلوك تلك المسابقة وتم أختيار أحد أعمالي من بين تلك الأعمال لكنني فوجئت بوجود عمل لرسام ألماني يطابق من حيث الفكرة والمضمون لأحد أعمالي المشاركة وبأسبقية ترجحني !!. وبذلك تكون النتيجة تشابه أربعة أعمال من أصل خمسة من حيث الأفكار والمضامبن مع رسامين آخرين من جنسيات متعددة مختلفين في البيئة والقيم والعادات وفي عصرنا الحالي عصر الثورة المعلوماتية الهائلة والتي تمخض عنها نظام الأنترنيت وما رافقه من تقنيات علمية متاحة جعلت من هذا العالم وكما هو القول السائد والمعروف (بالقرية الصغيرة) وبأمكانيات جعلت من التخاطر والتشابه والانتحال يبدو لأشد وضوحا منه في أي وقت مضى برزت الى السطح هذه المشكلة القديمة الجديدة اكثر تجليا بعدما كانت في فترات قديمة رهينة الكتب والمراجع والتي لم تكن في متناول الكثيرين بل حتى المتخصصين منهم فظلا عن محدودية وسائل الإشهار عنها. وفيما يخص بحثنا في مجال الكاريكاتير نبرز هنا بعض المحاور التي تشكل هاجسا للتشابه أو التخاطر أو الانتحال لدى كثير من رسامي الكاريكاتيروالمتمثلة بما يلي:
1.الفكرة:
حين ينتج عملان أحدهما سابق لآخروبنفس الفكرة والمضمون(استنساخ متماثل)أوبنفس الفكرة مع تغير في المضمون وتغريفه في اتجاه مغاير تماما أوبنفس الفكرة مع اختلاف في الوحدات العامة المستخدمة.
2.الخطوط(الأسلوب):
حيث نجد كثير من الأعمال تكاد تكون رسمت من قبل رسام واحد وان كانت في واقعها لرسامين عدة وليس من علامة فارقة تميزها عن بعضها سوى امضاء الرسام.
3.الاخراج الفني للعمل(التكوين):
حين تتشابه الأعمال من حيث مواقع توزيع الوحدات العامة رغم اختلاف تلك الرموز والأدوات واختلاف الثيمة الرئيسة للعمل وهو تشابه نادرا ما يركز علي في هذا المجال.
4.التخاطر(التشابه غير المقصود):
وهو أمر بالغ التعقيد ويصعب اثباته عائديته في كثير من الحالات.
5.الاقحام:
ويبرز عند معالحة موضوع ما بصورة تنم عن عدم تناسق وتوافق بين الفكرة والمضمون فيبدو العمل أشبه بأعادة فصال ثوب قديم وفق موديل حديث ويفوت على صاحبه بأنه كما أن للفصال موديل فأن للقماش موديله أيظا!!.
6.عنصر الثيمة:
حيث أن استخدام ثيمة محددة من قبل القائمين على المسابقات يجعل من امكانية التشابه والتماثل والتخاطر أمراً وارداً.
وبذلك أضحت كل تلك المحاور الآنفة الذكر الشغل الشاغل للمشتغلين بهذا الفن وهاجس يدفعهم للأسراع بزج ما جادت به مخيلاتهم من أعمال في كاليرات الكترونية أو في أقرب مسابقة دولية من قبل أن يجهض ذلك العمل في مهده بولادة آخر شبيه له أو يجده بأمضاء غيره شاخصا على صفحات أحدى الصحف أو المواقع الألكترونية المتخصصة أو حاصلا على أحدى الجوائز المتقدمة في واحدة من المسابقات العالمية وكل ذلك على حساب الشكل الفني و درجة جاهزيته ورغم أن كل ذلك قد لا يعصم عمله من الانتحال من قبل الغير فكثير من الأعمال المعلنة أوالحاصلة على جوائز دولية جرى انتحالها أو تقليدها بأعمال هي الأخرى قد حصلت بدورها على جوائز وفي مهرجانات عالمية أيظا وكان العزاء الوحيد لأصحابها الفعليين الأكتفاء بالتوثيق والرضوخ لأضعف الأيمان في ظل غياب أي قانون في الحفاظ على الملكية الفكرية وحق الأسبقية في الفكرة لمبتكرها الأول وعدم التعامل مع اللوحة كجزء محض عماده الفكرة بل ككل يشتمل على الفكرة والاسلوب والتكوين .وفي المقابل نجد أن هناك من أخذ على عاتقه مسألة رصد هكذا اعمال تتراوح مابين التشابه والتخاطر والانتحال فنجد أن رساما دوليا معروفا مثل الرسام السوري رائد خليل والذي يشرف على تحرير موقع الكارتون السوري الدولي قد أعد زاوية خاصة فيه وتحت عنوان(تشابهات) وقد أورد فيها عددا من الأعمال المتشابهة ولم يستثني من ذلك حتى أعماله وبمهنية عالية بلغت حد الايثار يترك فيها الحكم لأستنتاج المتلقي.كما كان لموقع الكارتون الأيراني الدولي دورا فاعلا في أبراز عدة أعمال مشابهة لتلك التي حصلت على جوائز متقدمة وبأوقات مبكرة رافقت اعلان النتائج كان له الأثر الكبير في حجب تلك الجوائزعنها أو اثارة التحقيق حول صاحبها الأصلي. كما بادرموقع دون كيشوت الألماني للكارتون بتشكيل لجنة تضم عددا من الرسامين الدوليين لمتابعة هكذا ظاهرة قد أخذت بالأستفحال مؤخرا ضمانا للملكية الفكرية وصونا للأبداع الفني.
• نشر المقال في مجلة شبكة الإعلام العراقي، الصفحة الثقافية, العدد (126),كانون الأول 2009.
• جميع الرسوم التي تضمنها المقال هي من موقع الكارتون السوري
للدخول إلى صفحة التشابهات في موقع الكاريكاتير السوري
Director| Raed Khalil
موقع الكاريكاتور السوري الدولي
رسام الكاريكاتور السوري رائد خليل
| جميع الحقوق محفوظة|