الكاريكاتير السوري ابن بار لبيئته

120

الكاريكاتير السوري ابن بار لبيئته

        – الكاريكاتير السوري فن مستقل بذاته امتدت جذوره عميقاً..
      –  يوجد اتفاق بين الرسامين السوريين- من دون أي اتفاق- على حالة الصمت المطبق في أعمالهم
      – الكاريكاتير السوري في الحقيقة كثمارها وفاكهتها، ينتج في سورية .

يخيل للمتلقي قبل أن يدخل إلى الكاريكاتير السوري، بأنه سيكون حتماً منتمياً أو متأثراً بأحد اثنين إما المشرق العربي.. أو المغرب العربي.. وإذا ما أفلت.. فإنه في أحسن الأحوال سيكون قد خرج من المعطف المصري!!.
غير أن الحقيقة عندما تتبين، فإنها مختلفة تماماً.. فالكاريكاتير السوري فن مستقل بذاته امتدت جذوره عميقاً لتنهل من ماء وتربة وبيئة سورية الخصبة بالخيال والمحاكاة المتبادلة بين الإنسان والطبيعة من حوله، إنه يحمل بصمة وهوية سورية بكل تفاصيلها، ولما كان رسام الكاريكاتير في النتيجة إنما هو نتاج عفوي لا إرادي للمجتمع يحمل بصمته وبيئته يعكسها لا إرادياً في كل أعماله، فإننا نجد أن الكاريكاتير السوري، رغم اختلاف رساميه في خطوطهم ومناهجهم من فنان لآخر، واختلاف طريقة تعبيرهم، واختلاف مستوياتهم الأكاديمية والفنية، فإننا نجد حقاً الابن الشرعي البار للبيئة السورية وحسب الشواهد التالية:

– حالة الصمت المطبق، وكأنما يوجد اتفاق بين الرسامين السوريين- من دون أي اتفاق- على حالة الصمت المطبق في أعمالهم «لا تجد أي تعليق ولا حتى هامش» مع غزارة في الحديث المختبىء خلف الخطوط، وبين ثنايا الفكرة، وهي حالة يكاد ينفرد بها ويتميز الكاريكاتير السوري عن سواه العربي!!.
هذه الحالة ما هي إلا انعكاس لخصوصية الشعب السوري، الذي يوجز بالكلام ويختزل ولا يميل إلى الإطالة.
– رشاقة الخط عموماً وسلاسته في الكاريكاتير السوري، وما هو في الحقيقة إلا تناغم وانعكاس لسلاسة مفردات اللهجة السورية الدارجة، التي تدخل النفس قبل وقعها على الأذن.

– بساطة الفكرة وسهولة الرسم، وهذا يتأتى من بساطة معيشتهم والتواضع فيها، والابتعاد عن التعقيد في كل تفاصيل حياتهم.
– الخصب في الرسوم، والتجدد دون الإعادة أو الدوران في دوامة المواضيع، وما هذا إلا لخصوبة الأرض المعطاء عندهم، وإنتاجهم المستمر الذي يفضي في النهاية لإنتاج غزير في أفكار الرسامين.

– التنوع وحيث يوجد تنوع كبير في الرسوم فتجد رهافة الخط الأنثوي وخشونة خط الرجل، وتجد الخطوط الخجولة والخطوط الجريئة، التي ترمي إليك بالفكرة وتذهب، والتي تدكك بالأفكار دكاً حتى إعلان إذعانك لها.. الخ، وما هذا إلا تنوع واضح للبيئة في سورية، ففيها الجبل بجبروته وفيها الوادي باستكانته، فيها المدينة بصخبها وفيها البادية بسكونها وتأملها.. فيها البحر بتلاطمه وفيها السهل بهدوئه.

– احتواء الكاريكاتير السوري على حالتين متناقضتين ومتناغمتين في الوقت ذاته، ألا وهما:
أولاً- صغر سن الفنانين السوريين في الغالبية العظمى «مع وجود فنانين كبار في السن والشأن».
ثانياً- قوة وصلابة الأعمال وعمق أبعادها التي لا تتأتى وتنضج إلا بعد خبرة وسنين طويلة في العمل.

إن هذا التناقض الصارخ يربكنا، ويقودنا من حيث لا ندري إلى بحث مثل هكذا ظاهرة والتوقف عندها طويلاً.. حيث لا يمكننا في النهاية إلا الإقرار بأن هذه الحالة مبعثها هو:
أما معاناة متواصلة متراكمة في النفس البشرية تورث من جيل إلى جيل فتصبح طافية تلقائياً على سطح اللا وعي لتتحول فناً أصيلاً حتى عند الموهبة الشابة.. وأما مبعثها هو علو متأصل ورقي في الوعي الاجتماعي والإنساني، تنتج حساسية مفرطة لالتقاط أية إشارة واردة مهما صغر حجمها، لتتحول إيضاً فناً جاداً طلباً يرفع الكاريكاتير السوري إلى مصاف متقدمة ورفيعة في مستويات هذا الفن.. وكلا الحالتين تعودان بنا إلى المربع الأول، وتؤكدان أن الكاريكاتير السوري في الحقيقة كثمارها وفاكهتها، ينتج في سورية وحسب ويوزع على أرجاء المعمورة.

إحسان الفرج

جريدة البعث– العدد13754- تاريخ2/9/2009


Director| Raed Khalil
موقع الكاريكاتور السوري الدولي
رسام الكاريكاتور السوري رائد خليل
| جميع الحقوق محفوظة|

More..
Latest news