Death of Syrian painter and cartoonist ” Momtaz Albahra ” رحيل الفنان السوري ممتاز البحرة
Death of Syrian painter and cartoonist ” Momtaz Albahra “
رحيل الفنان السوري ممتاز البحرة
Death of Syrian painter and cartoonist ” Momtaz Albahra “
1938 – 2017
SYRIAN painter and cartoonist : Momtaz Albahra
“Momtaz Al-Bahra” Syrian painter and cartoonist born in 1938, studied fine arts in Cairo university then moved to Damascus where he published a lot of his drawings in the Syrian journals and magazines, then he quit cartoon “Karikatur” during early 80s… “Al-Bahra” is considered as one of the most outstanding painters of the “children’s literature” in Syria, he has pioneer contributions to the history of the Syrian contemporary Artistic Movement as an immortal pioneer Artist.
Momtaz Albahra Your ART works will remain inside our hearts forever
Farewell..
***
جمال يبتعد.. وألوان تسيح في الدموع قامة فنية كبيرة
17 / 01 / 2017 ثقافة
العدد 2017-1-17-15739
أمينة عباس
الشاعر قحطان بيرقدار رئيس تحرير مجلة أسامة قال: بعد شهر من تكريمه في مركز ثقافي أبي رمانة آثر الفنان ممتاز البحرة الرحيل، وبرحيله خسرت سورية قامة فنية كبيرة، وخسرته مجلة “أسامة” كرفيق درب لها وهي التي لا يمكن أن تُذكَر إلا ويُذكَر اسمه، وهو الذي ارتبط بها ولاسيما من خلال شخصية أسامة التي جسدها ببراعة كبيرة بعد أن كتبها الأديب عادل أبو شنب، وقد تربت أجيال على هذه الشخصية على مدار خمسين عاماً.. من المحزن أن يرحل بعد تكريمه، ومن المحزن أنه آثر الرحيل ومجلة “أسامة” تدخل الشهر القادم عامها الـ 48 وهو الأب الروحي لها.. لن يترك ممتاز البحرة أسامة يتيماً لأن المجلة مصرّة على إكمال الرحلة التي بدأها، وستبقى مدرسته الفنية التي كرّسها منارةً للرسامين الجدد.
الذاكرة البهيجة
وتحدث بيان الصفدي رئيس تحرير مجلة أسامة سابقا: برحيل معلمنا وصديقنا ممتاز البحرة تكون ثقافة الطفل قد خسرت واحداً من أعمدتها الأولى، أحد مؤسسي مجلة “أسامة” ورسام السيناريو الذي لا يُضاهى، ورسام الكتب المدرسية السورية يوم كانت هذه الكتب تهتم بالفن حقاً، وأحد صنَّاع الذاكرة البهيجة لطفولة الملايين التي لم تنسَه ولن تنساه.. ممتاز البحرة رسام كبير، وملوِّن ساحر، ورسام أطفال رائد ومتفرد، ورسام كاريكاتير، ومثقف نبيل، وصديق شهم، ووطني مكافح وغيور، وإنساني مليء بالحب والعطاء.. شرَّفني أن عاد للرسم في مجلة “أسامة” يوم تسلمتُ رئاسة تحريرها، وتعززت صداقتنا في العمل وخارجه، وجلساتنا نحن الثلاثي (ممتاز وغسان السباعي وأنا) في قلب دمشق جزء من الألوان الشفيفة التي صبغت قلبي إلى الآن.. لقد سمحا للطفل الذي صنعاه ذات يوم أن يكون على مائدتهما المتواضعة والثرية.. الجميلون يبتعدون وألوانهم تسيح في الدموع وتتبعثر في الدخان.
اسم من ذهب
وتروي ريم محمود رئيسة تحرير مجلة “أسامة” سابقاً انطباعها عنه: ممتاز البحرة الإنسان الراقي النبيل، عاش كريماً ورحل كريماً، رحل بعد أن شهد محبة من تربى على رسوماته وألوانه.. نعم، شهدتُ تلك الفرحة التي ارتسمت على وجهه يوم أتيتُ مع الصغار لتكريمه، ويومها انفتح قلبه على محبة الناس، وأتى تكريمه الأخير ليشهد بعينيه أن من يقدم من قلبه ذكراه حاضرة حتى وإن غاب عن الإعلام والأنظار، فالعمل الأصيل لا يموت، والإنسان الأصيل يبقى.. هذا ما علمني إياه ممتاز الصديق.. وأعود بذاكرتي لأول لقاء كان بيننا، وأتذكر جيداً عندما طلبتُ مقابلته بصفتي صحفية، ويومها بكل احترام رفض فقررتُ زيارته كشخص تربى على رسوماته لأشكره، وعندها رحب بالزيارة، وعند اللقاء اكتشفتُ فيه هذا الإنسان المتواضع المحب، العميق بفكره ووجدانه.. وتوالت اللقاءات، وكانت رسالتي الصغيرة أن أعيد الفرح لقلب هذا الشخص المحب الذي قاسى بسبب الإهمال بعد عطاء تجاوز الأربعين عاماً قضاها بين رسم الكاريكاتير الهادف الاجتماعي والسياسي، ليخرج منه ومن فوضى هذا العالم الكاذب ويدخل عالم الأطفال الذي كان مؤمنا ومحباً له، فعقول أبنائنا تستحق الأجمل والأفضل كما كان يقول لي، وكان بحق الفنان العربي الأول الذي استطاع تصوير ملامح تشبهنا، مبتكراً مدرسة رسومية خاصة به، وكان هو وما أبدعه مدرسة للأجيال التي تلته من خلال رسوماته في الكتب المدرسية وما أبدعه وصوّره في مجلة “أسامة” ضمن مسيرة امتدت أكثر من 30 عاماً في هذا المجال.. ممتاز البحرة اسم من ذهب.. نعم، رحل ولم يرحل، فهذا الإرث الكبير وهذا العطاء باق.
طفل في الذاكرة
الفنان أحمد المفتي: رحم الله الفنان الدمشقي الكبير ابن حي مئذنة الشحم حيّ نزار قباني أيضاً، رحم الله الفنان التسجيلي، فنان الكتب المدرسية وصاحب الريشة المتميزة الذي انطبع اسمه في ذاكرة الأجيال.. لقد افتقدنا بفقده واحداً من أهم أساطين الفن التسجيلي التوضيحي، ورحم الله المعري الذي قال: سر إن استطعت في الهواء رويداً/ لا اختيالاً على رفات العباد/ رب لحد قد صار لحداً/ مراراً ضاحك من تزاحم الأضداد.. رحمه الله لتبقى رسومه في الكتب وفي المجلات، وأخص بالذكر مجلة “أسامة” كي يبقى طفلاً في الذاكرة بالرغم من مقاربته الثمانين.. رحمك الله أيها المبدع.
معلّمي وملهمي
رامز حاج حسين المشرف الفني لمجلة “أسامة”: وعت ألواني وخطوطي في هذا الدرب على تقليد رسومه وخطوطه وألوانه، وكان حلمي الأول أن ألتقيه وأن أعمل في مجلة “أسامة” لكي أتلقى النصائح منه ومن رفاق دربه لأطول فترات ممكنة، وكانت الفرحة الكبرى أن القدر استجاب لأحلامي وبتُّ في كنف “أسامة” ومن المتصلين به بشكل مباشر، حتى كُتِب لي أن أكون المشرف الفني مع فريق “أسامة” الشبابي وكانت الزيارات المتكررة لمقر إقامته في دار السعادة للمسنين مع الآنسة ريم محمود رئيسة تحرير المجلة سابقاً والجلوس معه لفترات طويلة، نستقي من ألقه وعطر كلماته، وكم أدهشتنا تلك الذاكرة الحديدية الحية لأدق تفاصيل رحلته مع “أسامة” وكم سعدنا وأطفال مبادرتنا سنابل الأمل وهو يتلقف قصصهم ورسومهم بعينيه وروحه وقلبه، ويسدي لهم النصيحة ونحن نشرب من كلماته.. السيد الجليل للّون. شيخ الكار لفن القصة الطفلية السورية، معلمي وملهمي وداعاً.
أيقونة زاخرة
رائد خليل رسام الكاريكاتير قال:
أنا الطاعن بصمت الحبر..
أتخيّل آخر الانحناء..
همزة أم همسة.. الأمر سيان..
هو خروج العلقم من جفاف المناداة..
والسبحة المكورة
تموء من وجع يدي
كسيزيف العناء…
أنا الطاعن بصمت الحبر..!
الذاكرة لن ترحل بالتأكيد، والصورة حفرت في أروقة التاريخ الفني أيقونة زاخرة بكل ألوان الطيف الممزوجة بروح الطفولة.. هذا المنهل المعطاء ترك فينا باسم ورباب والكثير من الشخصيات.. ترك لوحة ميسلون شاهدة على العطاء.. صحيح أن الأماني كثيرة، وصحيح أنها لم تتحقق وهو القائل: “ليس لدي شعور بالمرارة فقط، لدي بعض الأماني أتمنى أن تتحقق”.. اعذرنا فناننا ممتاز، تأخرنا عليك بالتكريم، إذ كنا نحضّر لك مفاجأة تستحقها.. كنا نجهز لأكبر احتفال عالم
***
أصابع من قوس قزح
17 / 01 / 2017 ثقافة
العدد 2017-1-17-15739
تمام علي بركات
كثيرة هي العقول التي شكل الفنان السوري ممتاز البحرة – 1938-2017- وجدانها اللوني الحسي في مرحلة غضاضته الحساسة جدا، والتي يعتبر فيها عقل الطفل ورقة بيضاء ُتسجل عليها الانطباعات الأولى لكل ما يتعرف عليه، فتبقى آثارها في جوانياته، باقية ما بقي، ليجيء هذا التشكيل الفني النوعي الذي اجترحه ذاك الفنان المرمري الروح، بأصابع قدت من أقواس قزح، وكأنه نحت أزميل سماوي، ربط الخيال بالمتخيل بكل رهافة واحتراف، فصارت الحروف غيوماً ملونة في عيون التلاميذ الذين في الأمس فقط كانوا في أحضان أمهاتهم، وهاهم يقرؤون في كتاب المدرسة “بابا وماما” لتجيء الصورة التي رسمها “البحرة” لكل من شخصية الأب والأم، أليفة حنونة حازمة صريحة، كما لو أنهما فعلا في كتاب التلميذ يبتسمون، لا من صور أو أرواح رسمتها ألوان وقلم رصاص، ضحكة رباب وشرائطها الملونة، النظرة الواثقة لـ “باسم” وخطوته الأكيدة نحو مستقبل لا طريق إليه إلا بالعلم، هذه الشخصيات التي صارت في وجدان أجيال كثيرة، من لحم ودم، رحل مبدعها وخالقها من عدم الخيال إلى وحي الممكن.
ولعل حديثنا فقط عن هذه الرسوم التي كانت العلامة الفارقة للفنان الراحل، -على الأقل لدى الأجيال التي عرفت فيما بعد، أن تلك الشخصيات المرسومة وكأنها بخط القلب هو من صنعها وجبلها من ماء وطين ملون- هو حديث ظالم بالنسبة إلى تجربة فنية تشكيلية غنية وواسعة، تصدرت الواجهة الحياتية لـ “البحرة” حين كان الفنان لا يزال مؤمنا بالقيم الاجتماعية والأخلاقية، وهي من سيضعها في حسبانه أولا وقبل أي شيء، وهو يخوض في إثبات وجوده وكيانه وحيزه الضروري والحقيقي، لذا لا بد من المرور على بعض أهم مفردات هذه التجربة، التي ارتبط فيها الشخصي والوجداني لهذا الرجل الرقيق، بالنتاج الفني الذي جاء واثقا كل الثقة من كونه سيخلد.
الذائقة البصرية
تعتبر الذائقة البصرية واحدة من اعقد الأساليب التي يتقنها الإنسان في التعرف على ما يجهله بالنظر، وحسب ثقافة هذا النظر، ففي حين يختلف شخصان على الترجمة المعنوية للوحة تشكيلية مثلا، تكون الذائقة البصرية الخاصة بكل منهما، هي من تحدد رأيهما، فما رآه كل منهما، وما انتقته أو انتخبته ذائقته البصرية حسب ثقافتها ومخزونها المتصل بالصور الأولى التي اطلع عليها ومنعكساتها أو أثرها الباقي في عمق الوعي، هي من ستشكل الفكرة أو الأساس الذي ينطلق منه كليهما لدعم حجته، لذا فإن الفرق بين عمل جيد وسيء في الفن التشكيلي عموما والرسم تحديدا، قائم فقط حسب هذه الذائقة، وبالتالي فإن سعة مداركها وثقتها بما تدربت عليه هذه الذائقة البصرية الشديدة التأثر والأكثر حساسية من أي ذائقة أخرى في التعلم، هي من سيحدد قيمتها، وهذا تماما ما كان “ممتاز البحرة” يسعى إليه، إن كان في أعماله التي ترافقت والكتب المدرسية التي حملها طلاب سوريون من مختلف الأجيال ومن مختلف المحافظات السورية، لأكثر من نصف قرن، أو في أعماله التي حملتها مجلة “أسامة” الخاصة بالأطفال والتي كان الراحل من مؤسسيها، لأن فنانا رائداً مثل “ممتاز” يدرك أن عليه مسئولية كبيرة في تربية هذه الذائقة عند جمهور الأطفال، وهذه المهمة الجسورة والجريئة والجسيمة، نالت ثقة الجميع، من أطفال ومراهقين وكبار وحتى عجزة، عدا طبعا عن الثقة الكبيرة التي منحته إياها سورية ليكون أول من خاطب ذائقة أطفالها البصرية المرتبطة بالعملية التعليمية، ووعيهم التشكيلي في مرحلة التعليم الأساسي وما بعدها.
وتعتبر تجربة الفنان الراحل “ممتاز البحرة” الفنية في مضمار الذائقة البصرية السورية من التجارب ذات المكانة الخاصة والمميزة، خاصة بالنسبة إلى رسومه الكاريكاتيرية ورسومه المدرسية التوضيحية حيث تميزت بقدراتها الهائلة على توضيح الفكرة وتقريبها إلى عقل الطفل الصغير بكل يسر وسهولة، بعد أن استطاع وبكل مهارة أن يمتلك زمام خط الرسم رغم كل اختصاراته الخطية المتينة، وبساطته الفكرية لكن ضمن براعته وقوته في التعبير الفني للمضمون الفكري بكل بساطة ويسر، كما ساهمت مهارته التقنية كثيراً في تحقيق توضيحاته في رسومه خاصة المدرسية منها، ولتجربته الفنية خصوصية جعلته يتقدم بها على باقي أقرانه خاصة من حيث الأداء الفني والتقني والفكري وأسلوبه البسيط المتناهي في اختصار الخطوط واللون كي يتم توضيح الرؤية الفكرية لمضمون اللوحة وحسب المتطلبات الذهنية لعقل الطفل البسيط الذي يريد رؤية العالم الجديد.
المزاوجة بين الفن والإعلام والتدريس
حاول الفنان الراحل بجهد كبير أن يزاوج بمهارة ضمن مفهومه الواسع للعملية الفنية المعاصرة، بين مفاهيم الفن التشكيلي ومفاهيم فن الإعلام، وذلك من خلال استخدامه مفاهيم وأساليب المدرسة “الواقعية التعبيرية” فقد كان يرسم في أكثر لوحاته الأحصنة العربية الجامحة بقوة للأعلى نحو السمو والرقي، تعبيراً عن كل معاني الأمل والمستقبل المشرق لأطفالنا، جيل المستقبل، وهكذا تصبح حالة أصيلة كالفروسية وما تعنيه في الضمير العربي، مرتبطة لدى الطفل بمستقبله، انطلاق هذا الحصان الأصيل وشموخه، هو رمز للطفل السوري والعربي عموما.
ولعل أكثر ما كان ذا تأثير جلي على الأطفال في سورية والعالم العربي رسومه للمسلسلات المصورة (الكوميكس) التي أبدع فيها فكان من المتميزين والمؤسسين لمجلة مجلة الطفل العربي “أسامة” الصادرة عن وزارة الثقافة في دمشق، فأمتع الأطفال بشخصيات مثل أسامة وشنتير وماجد وسندباد من قصص من ألف ليلة وليلة.
قضى الفنان “ممتاز البحرة” آخر سني عمره في دار للمسنين، وحيدا كما رغب إلا من أطياف أحبته وشخصيات رسومه، التي أحاطت به بحنان كما أحاطها بمحبة، وأمدته بالحياة كما أمدها بالحياة والخلود أيضا، سنوات عشر أو أكثر قضاها في هذا المكان، مناجيا رفقة الصبا وخيال جدته – أمانه النفسي وبيت أسرار قلبه وروحه- وحبه الذي ذهب كما يذهب الحب عادة، بلا وداع، واليوم في رحيله الذي نطوي فيه صفحة حياة فنان وإنسان كبير، في هذا اليوم كثيرة هي العقول والأفئدة التي ربى ضميرها،ستقف أينما كانت لعظيم روحه وفنه، ولتشيعه بقلوبها أيضا في رحلته الأخيرة بين شوارع دمشق، بدءا من مفرق ذاكرتها الأولى، حتى السماء، بوابة الخلود، هناك حيث يليق بفنان أصيل مثله، أن يصبح نجما، على غرار النجوم المنيرة والكثيرة التي أنارها هذا الرجل ولكن في العقول والقلوب أيضا.
***
حين تتفوق” الريشة” على النصوص
العدد 2017-1-17-15739
بشرى الحكيم
لا أحد يعلم إلى أين رحل باسم بقميصه الأصفر، أو أين هي رباب بثوبها الأحمر المطبوع في ذاكرتنا الطفولية حتى اليوم، الذي أعلمه أن أباً حقيقياً ومحباً لهم جميعاً قد غادرنا وغادرهم جميعاً بكبرٍ وهدوء يليق بالمبدعين الكبار، ووقعٍ مؤثر لا يتركه إلاّهم، غادر إلى ما بعد خط الأفق حيث موطن النور الدائم، تاركاً لنا الذكريات والقصص وساعات من اللهو البريء تملأ القلوب، تشاركنا فيها اللعب مع هؤلاء صغاراً منهم ومعهم تعلمنا أكثر مما رجونا، من أصول اللياقة والتعامل، إلى حب العلم والمعرفة، وقعنا في غرام الوطن، ومعاً اكتشفنا تضاريسه وعشقنا كل حبة تراب فيه، ومعهم أيضاً تلمست أصابعنا وأطبقت على السارية ترفع راية البلاد إلى العلا.
بريشتك الناعمة الرشيقة، أيها الفنان القدير فتحت أبواب البيوت على امتداد تراب الشام والأردن وبعضاً من بيوتات فلسطين، لأصحاب تشاركنا معهم قيماً وعادات وتعاليم، قصصاً وحكايات ومغامرات خضناها سوية، ستبقى في الذاكرة تسترجعها كلما لمحت العين حقيبة مدرسية على كتف طفل صغير، وكلما مرت بالبال حكاية طفولية تبحث عن شخوصها.
ممتاز البحرة صاحب الريشة التي توأمت مابين الكلمة والصورة لتزداد بها الحكايات حياة وتغتني بالمعاني؛ تفتح للصغار الآفاق على المدى الواسع.
عبر الرسم الصحفي والكاريكاتير السياسي في جريدة الصرخة السورية، ومجلة الجندي، دخل عالم الفن والتشكيل في العام 1955 ليصبح بعدها عراباً لرسوم المناهج التعليمية والكتب المدرسية، هو واحد من رواد الجيل الثاني في الحركة التشكيلية السورية، حيث امتلكت تجربته مكانتها الخاصة والفريدة؛ التي تنحاز كلياً إلى الفن المفهوم من قبل الناس جميعاً دون الدخول في دوامة التأويل والتفسير؛ في واحد من لقاءاته الصحفية القليلة يهمس لمحاورته بالقول: “أحد التجريديين قال لي أن التجريديين أنفسهم لا يفهمون مايرسمون” حيث اختار الذهاب إلى أقصى التبسيط في صورة تفوقت على الكثير من النصوص، لتتماشى خطوطه الواضحة المتلونة مع قوة وشدة اللون حيناً وضعفه حيناً آخر، بحيث أتت ملبية الاحتياجات الذهنية التي يمتلكها عقل طفل صغير أطلقته يد الأهل لاكتشاف العالم الجديد من حوله.
هل اقتصرت رسومه على الكتب المدرسية، هي بالطبع تعدتها بالإضافة إلى آلاف اللوحات الزيتية والدراسات الورقية والرسوم المرافقة للنصوص، تعدتها إلى المجلات التي توجهت إلى الصغار، لتكون مجلة أسامة؛ التي كان من مؤسسيها؛ والتي كان أهم ما فيها أنها بعيدة كل البعد عن تأثيرات الفن الغربي بشكل عام؛ وهو الجانب الذي دفع البحرة للعمل فيها بكل الحماس والإخلاص الذي تواصل عبر العديد من السنوات؛ لتشكل الأهم من بين المطبوعات التي عمل فيها، إذ وبالرغم من توالي العديد من الفنانين المعروفين وممتهني الرسم للأطفال؛ تبقى للبحرة بصمته الفريدة والمميزة التي صبغت صفحاتها، والتي جعلت منها تجربة تحظى بالكثير من التقدير، على صفحاتها عرفنا فتوحات زنوبيا ملكة تدمر، عبد القادر الحسيني وبطولات الفدائيين الذين قارعوا الاحتلال في فلسطين، قصص الخلفاء والعبر، زرنا مغارة جعيتا العجيبة، وغوطة دمشق، حتى أن عربة بائع الفول على بوابة المدرسة ما تزال تعبر الخيال، أناشيد في الأذن؛ قصص وحكايات تاريخ مجيد في القلب، وصور لا تبارح ذاكرة الطفولة الأولى.
“الشر كما الدمامل التي لابد أن تأخذ حدها؛ ثم تفقأ وتنتهي، والصراع لا بد سينجلي عن انتصار الحياة بكافة المجالات، الأمر يحتاج إلى جلد وصبر وصمود” هي كلمات له في أواخر سنواته؛ رسالة له دون ضجيج لكنها لا تحتمل التأويل كما فنه، هو فنان جسد حالة إنسانية وفنية ووطنية سورية نقية، وهذا الشر حالة لا بد سينتهي إلى انتصار للحياة، لأننا نستحقها هذه الحياة.
***
صديق طفولتي وداعا
العدد 2017-1-17-15739
أكسم طلاع
رحل ممتاز البحرة أخيرا، وقد غاب الرجل لسنوات طويلة في منزله المختار في دار السعادة للمسنين بدمشق بعيدا عن الأضواء، حيث مجتمع كبار السن والأدوية وقليل من الألوان تكفي لبقية العمر، رحل الرجل الذي تربت على رسوماته أجيال وبقيت ذاكرة الناس تحفظ له الود والحضور الطيب، وتحفظ رسوماته الرشيقة المرافقة لأشعار سليمان العيسى وغيره من الشعراء والقصائد، ومزينة كتاب القراءة – حديقتي – في المرحلة الابتدائية، وما يميز هذه الرسوم بلاغة المعنى الذي تحمله وكأنها نص آخر يوازي الأدب، وقد يكون أكثر بلاغة مما يقرأ، هنا يقرأ الطفل بالصور ويحفظ النص من خلال ربطه بصورة قوية المعنى، ومن باب تربوي محض قائم على البساطة والوضوح، نجح القائمون على تنفيذ الكتاب أو المجلة في التوجيه والتعليم للطفل حيث التذوق يكون رائدا ومربيا.
تبقى مجلة أسامة هي الميدان الأرحب لتجربة هذا المبدع الذي خبر فن الكاريكاتير بأنواعه السياسي والاجتماعي، لكنه بقي رسام الأطفال العظيم بلا منازع، لم تخل مطبوعة أو كتاب من رسومه لسنوات طويلة، وقد كرم التكريم المستحق من بلده ومن قيادته السياسية، وتفخر بأن يكون لرسامها أكثر من لوحة في متاحفها، فقد أقيمت الندوات والدراسات الكثيرة عن دوره الفني والتربوي، آخرها كان في الشهر الأخير من العام الماضي حيث أقام الفنانون التشكيليون المعرض التكريمي له في صالة المركز الثقافي العربي في “أبو رمانة” كما أقيمت ندوة دعي إليها مكرما ومحاضرا فيها مثل أب بين أبنائه وأصدقائه ومحبيه.
رحل الفنان البحرة وبقيت رسومه، وبقيت علاماته التربوية الجميلة في نفوس أجيال وفي ملامح الوطن. هكذا هو الفنان والفنون الجميلة تبقى ويغيب صانعها الجميل في غياب ملؤه الرحمة والسلام.. ممتاز البحرة وداعاً.
Director| Raed Khalil
موقع رسام الكاريكاتور السوري رائد خليل | جميع الحقوق محفوظة