تحيــــة إلــــــى ريشاتهـم

122

تحيــــة إلــــــى ريشاتهـم

 “يذهلني على الدوام الجهل المطبق الذي يتبدى على شركائي في المواطنية تجاه الثقافات الأخرى والتاريخ. أؤمن بشدة أنهم يظنون أن الولايات المتحدة هي أهم وأعظم مكان على وجه البسيطة، وهم يجهلون تماماً الطبيعة الامبريالية للولايات المتحدة…». هذه الفقرة مقتطعة من الحوار الذي أجري مع فنان الكاريكاتير دايفيد بالدنغر، ومنشور في موقع الكاريكاتير الإيراني على شبكة الانترنت. تختصر وجهة نظر هذا الفنان الاميركي بمباشرتها آراء الكثير من فناني الكاريكاتير الغربيين المناوئين لسياسات الإدارة الأميركية المتبعة تجاه الشرق الاوسط.

قد لا يتسع المجال لتسليط الضوء بشكل تفصيلي على هؤلاء الفنانين بمجملهم، أو على خلفياتهم الفكرية، أو الجنسيات التي ينتمون إليها، أو حتى على مدى تأثيرهم. لكن، قد تجدر الإشارة إلى نقطة مفصلية أدت دوراً بارزاً في التأثير على وجهة نظر كثيرين منهم، ودفعت بهم إلى ترك موقف الحياد إلى خط المواجهة ضد ما اعتبروه ثنائية غير مبررة تخضع لها مقاييس الرأي العام في الغرب. وتمثلت هذه النقطة بحدثي الرسوم الكاريكاتيرية الدنماركية بما لاقته من دعم وتأييد غربي منقطع النظير من جهة، ومسابقة «الهولوكوست» التي أعلنت عنها جريدة «همشهري» الإيرانية، وما لاقته من شجب واستنكار غربيين من جهة ثانية.

تتركز أعمال هؤلاء الفنانين على التصويب باتجاه هذه الثنائية، وتتنوع آلية عملهم انطلاقاً من الرسوم الكاريكاتيرية مروراً بأنشطة أخرى تهدف لنقد السياسات الممارسة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل في العراق وفلسطين بشكل خاص، وفي الشرق الأوسط بشكل عام. فلم يتوان الفنان البلجيكي بنيامين هاين وبمبادرة فردية عن الدفع باتجاه الإضاءة على القضايا العربية في الأوساط الكاريكاتيرية من خلال إجراء حوارات مع عمالقة فن الكاريكاتير في العالم، مركزاً فيها على المفارقة التي تصبغ مبدأ «حرية التعبير» في الغرب، وعلى الثنائية المعيارية التي يخضع لها هذا المبدأ. أما الفنان الانكليزي بانكسي، الشهير بجدارياته الضخمة، فقد أحال جدار الفصل العنصري في فلسطين المحتلة إلى معرض لوحات تخلق من صمت الحجر لغة لونية يتراقص فيها جمال الإبداع مع التعريض بسطوة الاحتلال، وتعكس مستوى المعاناة التي يرزح تحتها الشعب الفلسطيني.

وتعرّض الفنان البرازيلي الفائز بالجائزة الثانية في مسابقة الهولوكوست كارلوس لطوف، لحملة دعائية عنيفة قادها محازبو ومناصرو حزب «الليكود» الإسرائيلي وصلت حد التهديد بقتله، بسبب رسومه التي انتقدت آلة الحرب الصهيونية على لبنان خلال حرب تموز .2006 لكن، على الرغم من ذلك، عمد لطوف من أشهر قليلة خلت إلى إطلاق معرض كاريكاتيري له في المملكة الأردنية الهاشمية بدعوة فردية من شباب فلسطينيين مهتمين.

لا يمكن إنكار الدور الايجابي الذي أدّته الانترنت في الإضاءة على وعي هؤلاء الفنانين ومدّهم بالمتابعة السياسية اليومية الدقيقة للمستجدات. ولقد ساهمت الإنترنت في مد الجسور بينهم وبين عدد من فناني الكاريكاتير العرب. وفي الإطار ذاته، لا يمكن إغفال الدور الذي أدّته مواقع الكاريكاتير الإلكترونية المختصة العربية، على قلتها النسبية، في توفير مساحة معينة لهم، تبلورت كمنبر لعرض رسوماتهم وتغطية أهم أنشطتهم.

لكن، قد يكون من المؤسف القول إن الكثير من هؤلاء الفنانين الذين ينعمون بشهرة ذات وزن في الأوساط الكاريكاتيرية العالمية، ويتمتعون بمخزون فني – ثقافي رفيع، لا يزالون غير معروفين في أوساطنا العربية بشكل عام. فنشاطاتهم تنصب للدفاع عن صورة العرب، وهي نتاج جهد فردي، لا ينعم بأي دعم أو رعاية من أي هيئة أو جمعية أو مؤسسة. وقد لا يحتاج المرء للتذكير بأنهم رسل حضارة، اتخذوا من فن الكاريكاتير وسيلة للدفاع عن القضايا الإنسانية العادلة، وانبروا للذود عن القضايا العربية والتعريف بعدالتها وقيمتها في مجتمعاتهم الغربية، غير عابئين بالتهديدات التي قد تطالهم أو بالأثمان التي سيكون عليهم تكبّدها بالنتيجة.

ولذلك، لهم هنا تحية احترام.

نزار عثمان- بيروت

رسام كاريكاتير
– موقع الفنان دايفيد بالدنغر
www.dbaldinger.com
– موقع الفنان بنيامين هاين
www.benjaminheine.blogspot.com
– موقع الفنان بانكسي
www.banksy.co.uk
– موقع الفنان كارلوس لطوف
http://latuff.deviantart.com
 
عن الزميلة السفير


Director| Raed Khalil
موقع الكاريكاتور السوري الدولي
رسام الكاريكاتور السوري رائد خليل
| جميع الحقوق محفوظة|

 



 

More..
Latest news