مؤيد نعمة .. ويمر العام الثاني على ترجل الفارس
مؤيد نعمة .. ويمر العام الثاني على ترجل الفارس
خاص: موقع الكاريكاتير السوري
كان سراً من أسرار جراح وطن نازف، تولدت ريشته نبتة تعملقت على جدران الوجع أنفة وسمواً. اعتملت في نفسه الصرخات المكتومة للفقراء والمسحوقين فأزجى الأفق حبراً تفتح ورود آلام تنتزع البسمة السوداء من صمت الواقع الثقيل. وكما غيره من العظماء يحثّون الخطا بالرحيل، بتؤدة نطفئ الشمعة الثانية على غياب فنان الكاريكاتير العراقي المبدع مؤيد نعمة.
ُيجمع كل من عرف مؤيد نعمة وعايشه على تميزه برهافة الحس، وطيب الطوية، وخفة الظل، وسرعة البديهة، مع ميل فطري للانطواء والخجل.. هذا فضلاً عن عزة وطنية لم تضارعها إلا عزة الانتماء إلى الإنسان في ذاته، والتي لطالما تبدت في إجابته عن سؤال”من أنت؟” بالقول: “إنسانٌ منتمٍ للعراق”. كل هذه السمات وغيرها جبلت من شخصه مثالاً للفنان المثقف الذي يعانق ألم المقهورين بروح ريشته الحانية، وينقله صرخة مدوية في وجه الدكتاتورية والاحتلال والإرهاب، بثبات الواثق من رفعة الرسالة التي يؤدي مهما كانت التضحيات.
تميز أسلوب مؤيد نعمة بقوة الصدم في نمط تتجاوز فيه مشهدية اللوحة واقع اللحظة الزمنية المؤرخة للراهن، بتوظيفها للحدث السياسي أو الاجتماعي مفعّلاً أولياً له دور الدفع باتجاه لمس عمق المعطى في تكوين الخلفية المؤثرة، الأمر الذي أضفى على لوحته بنية ممسرحة للواقع تستند على طاقة كامنة، من سماتها نقل المتلقي إلى واقع موازٍ مماهٍ له حيز من التكامل بعموم تشكيلاته. أما الشخوص المؤدية لدور الحركة في اللوحة فلم تتبلور بطابع روح الفكاهة المبثوثة من ريشة الفنان المتمرسة فحسب، بل كانت بهيكلها وملامحها وتقاطيعها الحادة ذات دلالة واضحة على وظيفتها المندمجة بحالات المشهد، فكان بعضها دالاً على الحزن والمعاناة، في حين أن البعض الآخر يوحي باللؤم والحقد، دونما تكلف في صناعة هيئاتها، ولا خروج عن طابع كونها شخوصاً مؤسسة للوحة كاريكاتيرية.
تعكس لوحات مؤيد نعمة بمجملها إحاطة الرجل بطبيعة الإنسان العراقي الذي خبره وعايشه، الأمر الذي خوّله استلهام دقائق المجريات الحالّة في البنى الاجتماعية للعراق وإخراجها بطريقة كاريكاتيرية فنية معبرة بالسخرية السوداء عن هموم البسطاء وآلامهم، هذا فضلاً عن تناوله القضايا العراقية الداخلية والخارجية بجرأة ،الأمر الذي أنقذه دوماً من الرقابة الصارمة. وجدير بالذكر أن قضية فلسطين والأقصى كانت قد شغلت جزءاً كبيراً من اهتمامه، فخصص لها الكثير من لوحاته المحاكية لجراحها النابضة.
انحاز دوماً إلى صف الرازحين تحت نير الظلم والقهر، فكان صوتاً لهم ويداً،حتى بعدما اضطرته الظروف آنذاك لمغادرة العراق، وبعد التاسع من نيسان عام 2003 كان في ركب أوائل العائدين إلى الوطن الحبيب، ليطلق نيران حبره على الاحتلال والإرهاب والتضليل.
حمّل مؤيد نعمة رسومه الهم الاجتماعي، وانطلق إلى خارج حدود الإضحاك، إلى حيث المواجهة مع الواقع في معركة سلاحه فيها حدة الفكرة وقوة الريشة، فحقق شهرة عالمية كبيرة، واستطاع بتحصيله الأكاديمي، وبجدارياته، أن يضع لبنة أساس لمدرسة كاريكاتير عراقية مهرت باسمه، وباتت رسومه الحيّة معيناً لها.
مرّ العام الثاني، وحبر مؤيد نعمة ما زال سيالاً.. هل رحل فعلاً عن عراقه الحبيب؟ سيبقى “شيخ الرسامين” حياً على الدوام في رسومه، ولن يغيب أبداً عن قلب من رآه وعرفه واغترف غرفة من معين فنه.
نزار عثمان
بيروت
21/2/2007
Director| Raed Khalil
موقع الكاريكاتور السوري الدولي
رسام الكاريكاتور السوري رائد خليل
| جميع الحقوق محفوظة|