التكوين وارتكاب الفعل الكاريكاتوري..19/5/2013

SYRIACARTOON-2013

2٬194


التكوين وارتكاب الفعل الكاريكاتوري..


19/5/2013
بقلم: رائد خليل

*- إن الكاريكاتور بصفته التزيينية الجمالية وطابعه الحسيّ الملموس والذي يزين أوقاتنا في الصحف وفي المواقع الالكترونية أو حتى في المؤثرات المرئية كافة، هو اختصار لأشياء العالم في انعكاسات وتصورات متعددة الجوانب .

يأخذ فن الكاريكاتور شكلا مغايراً في  توسيع الأفق المنشود وتفتيح الذهن على تفاصيل يتعامل معها بلغة روحية خالصة تتجاوز كل الحدود في افتراع تكوينات جديدة تستند إلى عناصر عدة تنزاح نحو الدهشة وجذب المتلقي إلى تشكيل ممزوج بسرد نصي مفتوح و متوهج.وفي الكاريكاتور لايمكن للمتلقي أن ينأى عن تكوين العمل وأبعاده وتصاويره، لابل هي حالة سفر بين الخطوط للكشف والاستدلال عن كينونة الحالات الوجدانية المرسومة بإيقاع
تفاعلي والحثّ على التفكير بصوت عال.

ودائماً تأخذنا الحالات الإنسانية الوجدانية إلى أماكن لم نبصرها من قبل، وإذا كانت غاية فن الكاريكاتور تنويرية، فإن النشوة الحقيقية عندما تأخذنا اللحظة (الومضة) إلى سراديب التفكير المكثف، أو حالة انبهار في تشكيل العمل وتوليفه.
حالات وحالات، وأماكن سوريالية أحياناً، وواقعية في أحيان كثيرة، ولكن يبقى التفاعل والتأثير هما أساسان في رؤية الواقع المفتوح على النوافذ الموجودة في الأفق وما بعده.
وفي عودة إلى تكوين العمل الكاريكاتوري، تذهب بنا المخيلة إلى أقصى درجات المحاكاة لوقائع واستعارات بصرية يبني عليها الفنان( القادر) جملاً وصفية ومحددات أساسية قوامها الحركة والتكوين، والسخرية، والانفعالات، والأساس المعرفي الذي يشكّل موئلاً يعزف فيه رسام الكاريكاتور تقاسيم الابتكار في تنويعات متعددة، شكلية كانت أم حسيّة.

فالعناصر والمحددات، ماهي إلا مفردات مستلهمة من معين التجربة ومعرفة أسرار التغلغل في مكونات العمل الفني المتين الذي يقرّب المتلقي من تفاصيل الحدث المرسوم والموسوم ببراعة تسجيل اللحظات وتأريخها، لا بل يخلق تناغماً في مقولة التأثر والتأثير، وهنا محاولة حقيقية للولوج أكثر في الفكرة ولمح أطيافها على أقل تقدير.
إذا تكوينات متعددة، ومفردات تبدو في بعض أعمال رسامي الكاريكاتور كخشبة مسرح “الغروتسك” بكل تجلياتها الإغوائية، وهذه قدرة على استنباط مئات القصص، لا بل الآلاف منها بما يخدم الغرض في إيصال الرسالة بأبعادها ومضامينها وآلية اشتغالها.
وهنا، يتساءل بعضهم عن مدى تأثيرها أي- الرسالة- والاستجابة لها.
ورغم أهمية الاشتغال التقني من خطوط وانعكاسات لونية وتوزيع موزون لعناصر العمل على المساحة المخصصة له، تبقى الاستجابة للمكونات الشكلية أولاً، ومن ثم التوصيف الفعلي للقضية المراد إيصالها فعلاً ذاتياً يُبنى على أساس القراءة الواعية المتعددة الاحتمالات في شحذ البصيرة وتطعيم الرؤية باستعارات وشواهد معرفية عميقة الدلالات وطافحة بالعين الذاتية المنحازة دائماً إلى التجديد.
وتأخذنا أيضاً التصاوير والتكوينات في فن الكاريكاتور إلى ساحات تستحضر لنا موروثات متناسلة لا حدود لها. وإن جاءت بعض الأعمال دون المأمول، أو لم تقترب أساساً من الحدود المذكورة، نسبها بعضهم إلى عدم المعرفة بالبنية الأكاديمية وعدم إخضاع العمل لها.
وهنا، أُشير إلى أن البناء الشكلي  يُحكم بقدرات الفنان ومواهبه في تخطي حاجز النمطية الممل وكسره، وتسيير الخطوط وفق مسارات التفرد وطرح الممكن في دعوة للاختلاف عن الآخر.

فالشكل المتماسك بعمق إخراجي، يؤكد وحدة النص الفني. وهنا، نعود إلى إشكالية توزيع مصادر الإضاءة اللونية وفهمها. و تعود العين أيضاً إلى إنتاج المرئي في حالة تواصل محكومة بتقدير الأشياء وأبعادها.
إذاً وحدة البناء الشكلي في لوحة الكاريكاتور تسمح للمتلقي بالوقوف على ناصية التساؤل المشــروع عن ثقل التكوين أو الكتلة وتناغمها مع روح العمل ( الشكل) بهدف خلق توازن في المساحات والألوان بإيقاع مضبوط، دون نسيان التأطير كعامل مساعد لإبراز لبّ الموضوع ، على الرغم من تجاهل هذا العامل عند الكثير من المشتغلين في فن الكاريكاتور بحجة أن الثوب الكاريكاتوري لا يحتمل كل هذه التفاصيل.

ولأنّ فن الكاريكاتور حالة تحويرية لواقع مليء بالتناقضات، يتحول في نهاية المطاف إلى واقع ذي نفحة أدبية ممزوجة برحيق الخلق المتوالد الذي لا يختلف كثيراً عن المسحة الشعرية في أبهى حالاتها، ولكن بلمسة
ساخرة، تعيدنا إلى الشاعر الروماني تريستان تزارا الذي قاد ناصية
الدادائية، و فك القيود ودافع عن حرية الخطوط  بالفن المشاغب
غير المألوف.

ارتكاب الفعل الكاريكاتوري
أسئلة إشكالية كثيرة، واستنتاج متعدد الأشكال والألوان ، وقراءات تبدو كفعل مرتكَب.. إذ تضعنا في مشهد لايخلو من التشتت أحياناً في ترجمة المعاني وتحليل الخطوط  و البحث الدائم عن جواب !
و يُصاب البعض أحياناً بعجز كشف ذخائر ثالوث النظرية الفلسفية التي تقول بماهية التعرف والفهم والإحساس . فالاشتغال على التفاصيل يتماهى وتحقيق الغاية التعبيرية في توزيع مدروس
ضمن إطار المحددات، ومحاولة تجذير الرؤية الثاقبة من العيون المختلفة التي تلتقط المشاهد بكل تناقضاتها وعبثيتها.
إن إفساح المجال إذاً أمام عين المتلقي للدخول في المساحة المتروكة له، ماهو إلا محاولة لمحاصرة البصر وتصحيح مساره
بعيداَ عمّا يُسمّى باللحظة الأولى التي قد يقع أصحابها في مغالطات الانطباع الأول.
ومن هنا، نستطيع القول إنّ الوصول إلى القراءة الصحيحة بعيداً
عن مسودات التأويل المتعددة، يحتاج إلى إدراك المعاني بكل تجلياتها، ومتابعة تراكمية لا تخلو من المغامرة في تجاوز شاطئ الإطار والولوج إلى منصة التحليل الفني بأدق عناصره المبنية
على أسس المنهج وتنويعاته، لتحقيق الغاية في وصول المضمون إلى شرائح المتلقين جميعاً.
إن قراءة المختزلات الفنية الصحيحة في العمل الكاريكاتوري،
تقودنا إلى شطب مفردات بالية مترسبة ومتراكمة لعناوين سابقة أطّرت العمل ، وسوّقت مفاهيم مغلوطة، وارتكبت فعلاً منافياً للحقيقة،  أصبح فيما بعد عُرفاً، لا بل نهجاً أو مدرسة يستند إليها الكثير في تضميناتهم وتحليلاتهم.
فالقراءة الصحيحة تحتاج إلى تحرير الخطوط أولاً لتأخذ مساراً لا يخلو من الجدلية وطرح إشكاليات الإجابات المتعددة، لا الوقوف فقط على ناصية قراءات الاحتمال ، أو الـ ( ربما).
ويتخيّل البعض أيضاً أن محاصرة المفردات وتطويقها تفي بالغاية في اكتمال وصول الفكرة إليهم.. فمحاولة تحرير الفكرة من حيز المغلوطات، يتطلب رؤية تتفاعل فيها الأحاسيس مع انعكاسات اللوحة. لأن القراءة، أكانت أولية أم نهائية، ترتبط بخصوصية الفرد وتذوقه، وهي مسألة نسبية!
و يبقى إمعان النظر دون مزركشات إلى عناصر العمل الأساسية من تكوين جاد،  يُنشّط فينا عادة قراءة العناوين العريضة، و اختزال النص و تخصيبه.
ويظلّ الكاريكاتور شئنا أم أبينا، خشبة مسرح كبيرة بستائر تفتح لنا باب النظر من بعد، وبلورة صياغة حسيّة تأثيرية لا تخلو من الجرأة في ذر الملح على جروح متعددة التوصيفات.
نعم، ستائر تفتح أيضاً نوافذ الأفق المفتوحة على التجديد المتوالد من تكامل العناصر مجتمعة، ومستندة إلى عنصر السخرية ، ورسم ابتسامة لا تخلو أيضاً من الاستنتاجات والاحترام المتبادل مابين العمل الفني وذائقة المتلقي الشخصية.

 

المعايشة الجمالية
يبدو أن الدافع هو المحرك الرئيس للبحث عن الحاجة، وإذا أردنا الولوج أكثر في المتطلبات، لابدّ من الحديث عن الحاجة الجمالية المرتبطة بالمألوف من باب الاعتياد أيضاً على ماهو محسوس ، أو ماتعودت العين عليه.
هذا ما يجعلنا ً نقف على ناصية التلقي بشغف واضح لكل الرسائل البصرية وبألوانها وأطيافها مرتبطة بأجهزة تعمل على تخصيبها بالاستقبال والـتأثير ، وبجهاز الرجع، الذي وصّفه واحد من الفلاسفة بالقول: إنه التبادل ، وقوامه الفن و الميثولوجيا.
وفي حديثناعن الفن ، ننطلق لنوصف الحالة أكثر عبر تناول الصيغة الجمالة للرسوم الفنية التي تبنى على الشعور واللاشعور. إذ تأخذنا إلى أقصى حالات التخيّل حتى في التفاصيل التي قد لا يرى فيها بعضهم أي قيمة، فيأتي الموضوع الجمالي حالة مكثفة لمتعة بصرية بعيدة عما هو متداول.
وهذا لا يبتعد كثيراً عن توصيف التذوق الجمالي حسب رأي أستاذ علم الجمال د. راتب الغوثاني الذي يقول عنه :” إنه محور المعايشة الجمالية، أوهو القطب الموجب في العلاقة الجمالية الناشئة بين المتلقي والأثر الجمالي”.
إذن، الحديث المعمق والقراءة المتأنية في الأبعاد الجمالية للأعمال الفنية، يشكّلان مساحة احتواء لأي تذوق طارئ ، ويدفع النفس إلى الطمأنينة من باب التأثر الواسع.
أما عن التأثير في المعايشة الجمالية، فلا ينفي ذلك وجود في الجهة المقابلة خلل انطباعي يعود سببه إلى النظرة المستندة إلى دوافع ذاتية تقف بعيدة عن الحس المادي، لا بل هي أشبه برياح عابرة قابلة لتغيير المسار وفق الحالة المزاجية للشخص.
و مانريد أن نقوله عن العامل الجمالي في الرسوم الكاريكاتورية خصوصاً التي تزين صحفنا، إنّ تلك المساحة جاءت في سياق الوظائف التي يقوم عليها فن الكاريكاتورالصارخ بكل تجليات المعنى، و الذي يشارك أقرانه في الغاية نفسها.
ومايراه البعض في الكاريكاتور على أنه كمالي و هامشي وصولاً إلى حد العطالة و يستخدم من أجل البرستيج المهني لا أكثر، نؤكد دائماً أهمية استقلالية النص الكاريكاتوري بوصفه حالة فنية خالصة تتمتع بسيادة واضحة الدلالات والمعاني. أما القول عكس ذلك ، فهو دليل فقر في الوعي، وتضاؤل واضح في النشاط الذهني لأشخاص امتهنوا تسفيه جميع النتاج الإبداعي.
…………………………………..
ونشر أيضاً في موقع الجريدة

 


Director| Raed Khalil
موقع الكاريكاتور السوري الدولي
رسام الكاريكاتور السوري رائد خليل
| جميع الحقوق محفوظة|

 

More..
Latest news