من تاريخ فن الكاريكاتير..

170

من تاريخ فن الكاريكاتير..

يستطيع الإنسان، في كل الظروف والأوضاع أن يعبر عما يجول في مخيلته من آمال وآلام، بوسائل عديدة، منها: الكلمة المبينة، أو بالرسم، أو بالموسيقا، أو بالإشارة.
إن الكاريكاتير الذي لا تكاد تخلو منه صحيفة، أو دورية، هو أحد أنواع الرسم، فمتى وأين بدأ هذا الفن؟
إنه رسم مشتق من الكلمة الإيطالية (كاريكير) (caricare)، التي تعني (يبالغ أو يحمل مالا يطيق).
تعدّدت الآراء، وتنوّعت حول تعريف الكاريكاتير، ومنها:
1ـ إنه فن التنكيت، أي تجسيد للحكمة القائلة: (شر البلية ما يضحك!).
2ـ إنه فن التبسيط، فإذا كان من حق الفنان أن يغير الخطوط الطبيعية، من أجل أن يعبر عن رأيه، حتى إذا كان هذا سيجعله يخرج عن حدود الواقع، فإن هذا الخروج هو محور الكاريكاتير.
إن الفرق بينه وبين ألوان التصوير الأخرى المعبرة، هو أن الألوان قد تكون (أفكاراً ترتدي ثوب الطبيعة)، أو طبيعة ترتدي ثوب الأفكار. أما الكاريكاتير فإنه أفكار ترتدي أي ثوب، أفكار عاجلة مباشرة، لا يعنيها إلا أن تصل إلى الجماهير، ومن هنا يظهر التبسيط فيه ويتجلى.
3ـ يرى البعض أنه فن ثانوي!
4ـ يؤكد أصحاب هذا الرأي أن الكاريكاتير هو وحده الفن الذي لا شريك له! ويرون أن رسم تخطيطي، وتعليق ساخر قصير، يسفران عن ابتسامة واسعة، ويطلقان معاني بارعة، لتسكن ذهن الإنسان، وتجبره على التفكير فيما هو داخل دائرة الواقع، وتدعوه إلى تشكيل الدائرة من جديد، بفكر وعقل جديدين من أجل واقع أفضل.
وكل ذلك يشكل هدف فن الكاركاتير، وهذا الهدف هو الذي يعطيه الأهمية، ويجعله الفن الذي لا شريك له!
بدأ تاريخ الكاريكاتير منذ خمسة آلاف سنة، وكانت بدايته في مصر، وفي ذلك الوقت كان التفكير للسادة فقط: الملك، والكاهن. فهما وحدهما يعرفان الخير والشر، ويدركان الأسرار والأشياء، ويدريان ما حدث بالأمس، وما سيحدث في الغد.
ترينا الرسوم الأولى أن الموضوع الوحيد الذي كان باستطاعة الفنان أن يطرقه بالأسلوب الساخر، هو موضوع الأسرى الأجانب، أو بعض الذين لا سلطان لهم، وهم غير مقدسين كالملوك، وغير أقوياء كالكهنة. وترينا هاتيك الرسوم حزمة من البصل أو غيره وضعت بين كتفي الأسير بدلاً من رأسه، أو رأس حمار على عازف الناي في إحدى الفرق الموسيقية.
وعندما عرف الفنان المصري القديم أن في استطاعة خطوطه، بقليل من التحوير والمبالغة، أن ترسم رأياً معيناً في الموضوع الذي يعالجه، كان يشق دون أن يدري أول خطوة في طريق الكاريكاتير فحرص على تسجيلها على قطع من الفخار، والأحجار الصلبة. ويرجع تاريخ هذه القطع إلى عام 1250 قبل الميلاد. فصور ثعلباً يرعى قطيعاً من الماعز، وذئباً يقود قطيعاً من الإوز. ويرينا رسم آخر فرس النهر، وقد جلس على قمة شجرة عالية، في حين يحاول النسر الصعود إليها بسلم!
عرف فن الكاريكاتير عند الآشوريين، واليونانيين، وذكر المؤرخون أن مصوراً يونانياً يدعى بوستن، أو بوزون، صور بعض المشهورين على شكل يدعو إلى السخرية، الأمر الذي أدى إلى معاقبته غير مرة، دون أن يرتدع. تحدث عنه أرسطو، وأرستوفانتس، بوصفه شخصاً يرسم رسوماً ساخرة للناس، وقيل إنه قتل تحت التعذيب بسبب تلك السخرية!
ويؤكد البعض أن خيال الظل (الكاراكوز) هو امتداد الفن الكاريكاتير. ويرى هذا البعض أن فن الكاراكوز أقوى وأشد خطوة من الكاريكاتير المرسوم على الحجر، فهو يتحرك، ويمثل، ويروي قصصاً. وقد وصل هذا الفن إلى روما، ثم إلى أوروبا كلها.
وكان اسم مجلة كاريكاتيرية ظهرت في إنكلترا في القرن التاسع عشر هو (بانش) ومعناها الكاراكوز.
إن أول اتجاه نحو الكاريكاتير قد بدأ في معركة طويلة عنيفة جداً، ضد سلطان الفاتيكان نحو سنة 1870م وإن الخطوط كانت أيامئذٍ تبالغ ولكن بقدر، وتتردد طويلاً قبل أن ترسم إنساناً ينتعل حذاء أضخم منه!
تطور فن الكاريكاتير لاحقاً، وتعدّدت أنواعه، فمنه الكاريكاتير السياسي، والاجتماعي، والرياضي، وتربّع على قمة هذا الفن، فنانون كبار، في مصر وسورية وفلسطين، وفي غيرها من البلدان العربية والأجنبية.

بقلم: محمد أمين أبو جوهر
جريدة النور العدد 233 – تاريخ 22-2-2006


Director| Raed Khalil
موقع الكاريكاتور السوري الدولي
رسام الكاريكاتور السوري رائد خليل
| جميع الحقوق محفوظة|

 



 

More..
Latest news