رسوم الكاريكاتور: وسطية..أم إذعان..أم ماذا..؟
رسوم الكاريكاتور: وسطية..أم إذعان..أم ماذا..؟
*- رائد خليل
غالباً ما تكون الوقائع من أحداث سياسية واجتماعية ، مادة دسمة أو فكرة لعمل كاريكاتوري أو قاعدة متينة يرتكز عليها الفنان في تقديم الممكن ، وهذا أمر بديهي. وتتجلى في رسوم الكاريكاتور عند بعض فنانيه، مقامات فنية مفتوحة أبوابها ومشرعة على حالات وجدانية وتداعيات حسية مشغولة بأسلوب متكئ على معين الوقائع والأحداث السياسية والاجتماعية، كما ذكرنا سابقاً. ولا تخلو من اللمسات والتفاصيل الوجدانية أو الانطباعية للحدث الذي يدغدغ مشاعر الناس وأحاسيسهم.
وفي هذه الأوقات القلقة التي تسودها النزاعات والاضطرابات، يتلقى الكاريكاتور الحقيقة، ويوضحها بكل تناقضاتها في تجسيد المواقف وتمثيلها بصرياً.
ومما لاشكّ فيه، أن متابعة رسامي الكاريكاتور للأحداث السياسية يعدّ أمراً هاماً في تأكيد وظيفة الفن السياسية الدعائية التحريضية، وهنا لا نستطيع التعميم.
ولكن السؤال المطروح: ما مدى تقاطع دور رسام الكاريكاتور في منطقتنا مع الأحداث السياسية الآنية ، ومدى تفاعله معها؟
وهل صحيح أن بعض رسامي الكاريكاتور يرسم ويتماشى مع سياسة صحيفته أو منبره الإعلامي رغماً عنه ؟
إذاً أسئلة عديدة، تدخل في باب التساؤل المشروع عن الدور المنوط بممارسي العمل الكاريكاتوري في الصحف العربية.. وضمن هذا الطرح الإشكالي ،
يجيب رسام الكاريكاتور العراقي إحسان الفرج، بعد أن وضع مبضعه على جرح لن يندمل بالقول عن هذه المحنة:
بما أنّ رسام الكاريكاتور فنان مرهف البصيرة , ينظر إلى الحياة من زاوية غير التي ينظر منها الآخرون.. وبما أن أعماله ستكون – وفقاً لتلك الرؤية – نتاجات حساسة مؤثرة على الصعيد الثقافي والإعلامي ، إذن يتوجب أن يعي – أي الرسام- دوره ومسؤوليته الفنية والتاريخية , لِما يقدّم من نتاجات يفترض أن تكون منصفة على الأقل , وأن تحمل نظرة متريثة ودقيقة لتفاعل الأحداث, وعدم إطلاق الرؤى جزافاً على مبدأ ركوب الموجة التي تكتسح وبكل أسف العالم العربي حالياً…
ويضيف الفرج :ليس من المعقول أنّ التناول والطرح للمواضيع الآنية عند الرسام، يتشابه فيه الغثّ مع السمين…!, ويتساوى ذو الحضارة والتأريخ الضارب في القدم مع الهمجي البربري الذي لا يفهم منه سوى البربرة….!
وإذا ما كان مستغرباً أن البعض من رسامي الكاريكاتور عندما يرسم ويتماشى مع سياسة صحيفته ونهجها , بحكم أن مجتمعاتنا تتمتع بهامش ضئيل بمجال الحرية الشخصية والإعلامية ,وبحكم ظروف ليس للرسام فيها خياراً , فإن المأساة الحقيقة تكمن في رسم ما يتناقض مع أفكاره وأحاسيسه التي تميزه عن غيره، والتي لأجلها أصبح رساماً للكاريكاتير..
ويقول الفنان السوري ربيع العريضي إنّ الكاريكاتور يعدّ في أيامنا هذه مادة دسمة، لأنها تحمل معها وظيفة خبرية تعتمد على نقل الوقائع والأحداث واختزالها في أبعاد لا تتجاوز السنتيمترات من حجم صفحات الجرائد الورقية أو الإلكترونية، لكنها تختصر مساحة رقعة أرض يتجاوز حجمها الكيلومترات.. لتبيان قضية ما أو معركة ما تدور في رحاب هذا العالم، وخاصة عالمنا العربي، هذا الصفيح الساخن الملتهب، الذي يشكل لنا يومياً المئات من المواد الدسمة كرسامي كاريكاتير من مفارقات مفجعة نعيشها بين خط وآخر ورسام وآخر مع أن الهدف واضح، وهو التنوير والتحريض .. و انطلاقاً من هنا، نجد أن أي رسام كاريكاتير عربي تتقاطع همومه مع هموم مجتمعه وأمته ولا يستطيع أي رسام الانسلاخ عن مجتمعه مهما كانت الظروف وخاصة الرسام الملتزم، وأعني الخط السياسي أو الكاريكاتور السياسي، الذي يعدّ النوع الأكثر شعبية وفاعلية من بين أنواع الكاريكاتور الأخرى، لما يحمله من مواد دسمة قد تشبع متطلبات المتلقي العربي وتلفت نظره لما يدور حوله.. وهنا تكمن الخطورة في الكاريكاتور كمادة تنويرية أو تحريضية وذلك تبعاً للمكان المنشور فيه .
من هنا، يظهر جلياً أن رسام الكاريكاتور أمامه إحدى الخيارين، إما الالتزام بخطه ونهجه وموقفه دون مواربة ومهما كانت التكاليف حتى لو عادت بالضرر عليه، أو الانصياع لرغبات أصحاب الجرائد والصحف وسياستهم، سواء كانت حكومية أم خاصة.. وهذا الغالب على معظم رسامي الكاريكاتور، باستثناء بعض المنابر الصحفية البعيدة عن التوجهات السياسية مثل صحف الإعلانات أو الصحف والمجلات الاجتماعية والدعائية .
قد نعدّ من الكثيرين المهتمين أن الكاريكاتور أصبح مادة تجارية مثله مثل باقي السلع، يمكن التلاعب فيها حسب مكانها وموقعها ..
لكننا لا نستطيع إلا أن نعدّه – أي الكاريكاتور – إلا رسالة إنسانية تحمل معها تاريخاً ومعنى لظرف ما ولحقيقة ما كتلك الرسوم الموجودة في جدران كهوف البشرية.
إذن، قرأنا.. وشاهدنا،، وسمعنا.. ماكتبه بعض رسامي الكاريكاتور، وهنا، أعود للحديث عن متابعتي اليومية لرسوم بعض رسامي الكاريكاتور في عالمنا العربي، فقد رأيت من خلال النظر إلى أبعد نقطة في قراءة تلك الأعمال، أن الأمور تسير وفقاً للمتغيرات الدولية، بمعنى آخر، البارحة أحاط الرسام بتفاصيل القضية وحيثياتها بصدق وعفوية نابعة عن إحساس وصدق كبيرين، وهذا اعتقاد أولي، واليوم، نراه يجنح برسومه بعيداً عن الحقيقة!
وهذا ما يؤدي إلى انعكاسات سلبية ورسائل تحمل في طياتها معطيات سياسية خطيرة في سياق التعتيم المدروس. لا بل، الابتعاد عن المفهوم الحقيقي للمعطى الحسّي في الفن.
إذاً المسألة تتعلق بالحرب الإعلامية على حد قول الفنان اللبناني عبد الحليم حمود في حديثه لمجلة “الكفاح العربي”: إنه لا توجد حرب كاريكاتورية بين رسامي الكاريكاتور في لبنان, بل هناك حرب إعلامية, والرسامون هم جزء من هذه المعركة. ومما لا شك فيه أن بعض الرسامين قد يرسمون رغماً عن إرادتهم، رسوماً تريح رئاسة التحرير, من دون أن تعبر عن مبادئهم الخاصة, إلا أن الحاجة إلى المبالغ المالية هي التي تملي عليهم الإذعان في هذا المضمار. دون أن ينسى وجود بعض الرسامين الذين يقدمون رسوماً وسطية, كأنهم ضد المعارضة وضد الموالاة, وذلك كنوع من غسل أيديهم من أن يكونوا طرفاً في الصراع القائم.
*- جريدة البعث السورية
العدد14237 تاريخ 22/5/2011