“فرشاة”.. لعبدللي

147

“فرشاة”.. لعبدللي

يعتقد البعض أنه ليس ثمة ضوابط أو قواعد للكاريكاتير , فيطلقون هذه التسمية على أية عملية تشويه لرسم, أو حتى إنهم يرسمون رأساً لإنسان بنسب قريبة من الواقع لعدم استطاعتهم رسمه بالنسب الطبيعية تماما ـ وبالطريقة نفسها يرسمون الجسم, ولكن المفارقة أن الرأس كبير جدا, والجسم صغير جدا, فاختلال النسبة بين الرأس والجسم يجعل الشكل ـ حسب اعتقادهم ـ كاريكاتيرا.

لابد من الاعتراف بأن الكاريكاتير في بلادنا من أضعف ضروب الفن ـ ودائما كما هو معروف هنالك استثناءات ـ والمؤشرات على هذا الضعف كثيرة.. أولا أنا لا أعتقد بالتصنيفات, وعلى الرغم من هذا فليس لدينا رسامي كاريكاتير مصنفين, وأذكر هذا للذين يؤمنون بالتصنيف. فعندما يذكر فنان كاريكاتير عالمي يقال: (مصنف ضمن العشرة الأوائل), وللعلم فقط , فان التصنيف لا يذكر ترتيبا, أي هنالك عدد من المصنفين فقط , وليس ثمة أول وثاني وثالث وعاشر..

ثانيا نحن نفتقر للصحف والمجلات المتخصصة في الكاريكاتير. ومن المعروف أن هذه الصحف على درجة كبيرة من الرواج , وتحقق مبيعات ضخمة في دول العالم, ولكن ليس ثمة من يقدم على مشروع من هذا النوع في بلادنا ,لأن إنشاء مشروع كهذا يحتاج إلى ثلاثة عناصر رئيسية هي الموهبة ـ المال ـ الديمقراطية.

صحيح أن المال متوفر والحمد لله, وأصحاب رؤوس الأموال باتوا يبحثون عن مشاريع لاستثماراتهم , ولكن العنصرين الآخرين غير متوفرين لحظة..أنا أعرف أنكم قطبتم حواجبكم مستنكرين قولي هذا عن العنصرين الآخرين, سيقول أغلبكم إن عنصر الموهبة موجود والحمد لله.. ولكن ألستم معي بأن الموهبة ستبقى مكانك راوح ـ حسب التعبير العسكري ـ إذا لم تجد الفرصة للنمو, وتقديم الذات؟ وهكذا فهي مربوطة جدليا ـ وفق التعابير الرياضية بوجود تلك الدوريات التي تحتضنها , وبالتالي فأنا غير متفائل بتطور هذا الفن في المدى القريب.

هذه الأسباب وغيرها تجعل أحدهم يطلق تصريحا, معتقدا أنه يطلق صاروخا عن فن الكاريكاتير يقول فيه: صحيح أنني لا ألتزم بالتشريح, والقواعد الأكاديمية في الكاريكاتير إلا أن هذه المعارف تفيدني كثيرا عندما أقوم بتحطيم النسب, وإعادة بنائها.. علما أن هذا التصريح كان قد أطلقه بيكاسو قبله بعشرات السنين.. ولكن أمثال هذا على ما يبدو يخلطون في عملية تحطيم النسب..

فالتحطيم يتم من أجل إيجاد نسق جديد مبتكر, أي نسب جديدة. وهذا النسق يسمى تشريحا, فهو تشريح جديد غير ذاك التقليدي. التشريح في الكاريكاتير معرفة دقائق الجسد, وتفاصيل الأشياء ونسبتها لمعرفة الأجزاء التي تستخدم فيها المبالغة تكبيرا وتصغيرا.. فمثلا إذا تناولنا الرأس نجد أن المفصل المتحرك الوحيد هو الفك, وبالتالي الفك والفم, والنصف السفلي من الرأس يقبل المبالغة إلى حدود يدججها الفنان, وكذلك الأمر بالنسبة للأنف فهو غضروفي وليس فيه عظم قاس, وبالتي يقبل المبالغة أو الحذف, وهكذا يمكن أن يأخذ أشكالا لا متناهية..

تسأل آخر عن التشريح والنسب ,فإما أن يعطف عليك, ويتظاهر بشكل فج أنه يداري غباءك, أو يتلبس شخصية مرحة لأنه ساخر كممثل من الدرجة العاشرة, ويقول لك هازئا: تشريح.. نسب.. أين؟ في الكاريكاتير؟.

هذه الثقافة والمعارف ناتجة عن اعتقاد شعبي يقول عن أي شيء يصادفه غير محكوم بقاعدة منطقية أنه كاريكاتير..
إذا صح هذا الاعتقاد فأن العملية التي يقوم بها هؤلاء هي الكاريكاتير, وليس العمل الناتج عن هذه العملية..

من كتاب: “فرشاة”- للناقد: عبد القادر عبد اللي
 

 


Director| Raed Khalil
موقع الكاريكاتور السوري الدولي
رسام الكاريكاتور السوري رائد خليل
| جميع الحقوق محفوظة|

 

 

 


More..
Latest news